ماذا ربح البيجيدي مع بنكيران؟
لم أعد أتذكر متى اتصل السيد عبد الإله بنكيران بكاتب هذه السطور المتواضعة، في سياق التفاعل مع مقال كتبته، وقال لي بدهائه السياسي الخاص:
“ومع ذلك.. فأنت تفرض علينا أن نقرأ لك..”..
وليس مهما أن أذكر بهذا السياق طالما أنه أصبح اليوم جزءا من الماضي..
وظني أن المهم هو أني اتصلت، أمس، بالسيد بنكيران وبالتحديد عقب نزول رسالة التهنئة الملكية بمناسبة انتخابه أمينا عاما لولاية أخرى وقلت له أنا أيضا:
“السيد الأمين العام القديم الجديد، اتصلت بك لأهنئك ما دام ملك البلاد هنأك..”..
أتدرون ماذا كان رد السيد بنكيران؟
لن أقول كل شيء طالما أني أكتب هذه الكلمات دون أن أستأذن الرجل في نشر تفاصيل هذا الاتصال الهاتفي معه..
لكن لن أكشف سرا إذا قلت إني وجدت السيد بنكيران بمزاج رائق وربما أكثر من رائق عقب نزول هذه التهنئة الملكية قبل أن يرد علي بأسلوبه وهو يقول إذا ما تذكرت كلامه جيدا:
“طبعا المغاربة لا يفعلون إلا ما يفعله “سيدنا”.. والله يخلي لينا السلطان لأنه هو الذي يحمينا منكم ومن أمثالكم..”..
وواصل بنكيران حديثه أو بالأحرى رسائله ليضيف أيضا:
“في أي بلد في العالم هناك الأقوياء وهناك الضعفاء..
والأقوياء يمكنهم أن يفعلوا أي شيء للحفاظ على نفوذهم..
لكن في بلدنا، والحمد لله، هناك الملكية..
والملكية هي التي تدير هذه العلاقة بين الأقوياء وبين الضعفاء لكي يظل نوع من التوازن المطلوب في المجتمع”..
وحسب بنكيران أيضا، ف”الملكية تفعل ذلك ليس لأنها قوية أو مع الأقوياء وإنما تفعل ذلك بشرعيتها أولا.. وأيضا لأن الملك هو “محامي الشعب” في معركة النفوذ التي يخوضها الأقوياء ضد الضعفاء”..
بنكيران قال أيضا إنه كثيرا ما ردد مثل هذا الكلام في مناسبات كثيرة “غير أن بعض اليساريين، حسبه، لم يستوعبوا كلامه إلا بعد أن اضطروا إلى ذلك”..
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، ذلك أني سألت أيضا السيد بنكيران عن تعليقه وهو يرى كيف أن نخب الحزب بمن في ذلك بعض نواب بنكيران لم يصوتوا على بنكيران..
كما قلت له في معرض السؤال نفسه أيضا وبماذا تفسر أن مؤتمري “العالم القروي” هم الذين صوتوا على بنكيران وجعلوا منه فائزا بولاية أخرى؟ ههههه..
جواب بنكيران عن أسئلتي اتخذ هذه المرة معنى قرآنيا وهو يلمح إلى أنه يعتز بتلك الأصوات التي جاءت من “بادي الرأي”، أما النخب، في نظره، فهي تريد رحيله لأنها تدافع عن نفسها..
وأغلق هذا القوس حتى لا أذهب بعيدا وأعود لأذكر أيضا ببعض ما دار بيني وبين السيد بنكيران في لقاء سابق جرى بمنزله عقب مرور بعض الوقت على واقعة الإعفاء الملكي وأيضا عقب اعتقال صديقنا الصحافي توفيق بوعشرين..
أتذكر أني قلت للسيد بنكيران وهو وقتها يعبر الصحراء في انتظار الذي قد يحدث والذي قد لا يحدث:
“أنت سياسي معتدل..
وتدعو إلى الاعتدال..
وإلى عدم التنازع مع أولي الأمر..
وتتعبد الله بذلك..
ولا تدعو الى عنف ولا إلى تشدد ولا إلى اصطدام مع الدولة”..
وزدت أيضا و”المفروض أن تكون أنت أيضا في السجن مثلما فعل الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد ومثلما فعل أيضا العديد من الزعماء السياسيين الذين دخلوا إلى السجن ودخلوا إلى تاريخ المغرب ههههه”..
ولأن السيد بنكيران قد يقول أحيانا الحق ولو ضد نفسه فقد رد علي بالقول:
“نعم هذه هي الحقيقة” ثم استدرك ليشرح وجهة نظره أكثر:
“لكن أنا لست مثل الزعيم عبد الرحيم بوعبيد ولا مثل عمر بنجلون ولا مثل المهدي بنبركة ولا مثل لفقيه البصري.. أنا سياسي على قد الحال..”..
وربما قال بنكيران أو كاد أن يقول أيضا إن البعض من هؤلاء الزعماء بصموا على مسار سياسي استثنائي لا “يشكك” في شرعية الحكم فحسب، وإنما “يشكك” حتى في شرعية الحاكم أيضا.
وفعلا إن المسار السياسي للسيد بنكيران هو مسار آخر ولا يشبه ربما أحدا غيره..
ثم إن بنكيران هو جزء من النسق القائم وهو امتداد عضوي ل”عاش الملك” وربما هو أيضا مستعد أن يموت ليعيش الملك.
بل إن بنكيران مدافع “شرس” عن ملك يسود ويحكم ولو ب”أسلوب” يجعل من النصح المؤدب للإمام معلوما من الدين بالضرورة.
لكن يبدو أنه حتى هذا “الأسلوب البنكيراني” المغرق في الاعتدال لم يمر دون أن يزعج “ربما” جهات نافذة في المحيط الملكي نفسه.
بل إن هذا “الأسلوب البنكيراني” هو الذي أخرج، خلال انتخابات 2016، تحالفات كثيرة وأموالا كثيرة وجهات كثيرة الى العلن خشية أن يطول المقام ببنكيران بالقرب من مقصورة الحكم..
قضية أخرى لا بد أن أتوقف عندها قبل أن أختم هذه الكلمات ألا وهي قضية الانتخابات المؤدية إلى حكومة المونديال..
بالطبع من الصعب أن نعطي توقعات دقيقة حول الحزب الذي سوف يفوز في هذه المحطة الانتخابية المرتقبة..
لكن ما هو مؤكد هو أن “المال الانتخابي” سيكون له دور كبير في تحديد هوية الحزب الذي سيتصدر انتخابات 2026..
وهذا ليس كلام صحافي.. هذا كلام برلمانيين استقلاليين في نشاط حزبي ترأسه نزار بركة شخصيا في وقت سابق..
أما عن حظوظ البيجيدي في هذه الانتخابات المرتقبة فعلم ذلك عند الله..
وإذا كان من العادي جدا أن يخسر البيجيدي هذا الاستحقاق الانتخابي أو ذاك حتى مع وجود بنكيران على رأس الحزب..
لكن علينا ألا ننسى حقيقة “شبه سوسيولوجية” وهي أن “الحزب الإسلامي” ربح كثيرا مع بنكيران..
الحزب ربح مع بنكيران إشعاعا تجاوز حدود الوطن، حتى أن هناك دولا في الشرق والغرب أصبحت تتحدث، ذات سياق، عن “النموذج المغربي” في التعامل الذكي مع الفاعل الإسلامي.
ومع بنكيران، ربح الحزب أيضا معركة التطبيع مع المجتمع ومع نخب يسارية وليبرالية كانت إلى عهد قريب تعتبر الإسلاميين “العدو” رقم واحد للحياة الديمقراطية السليمة.
ومع بنكيران، ربح الحزب أيضا كل الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والتشريعية واكتسح كل المدن الكبرى والصغرى..
بل لم تنج من هذا “الاكتساح الإسلامي” سوى بعض البوادي والمناطق النائية التي تركها البيجيدي، وقتها، ل”حزب الدولة” وربما لوزارة الداخلية لأسباب معروفة في حقل سياسي جد معقد.
..