الخبر من زاوية أخرى

عندما “ارتبك” السيد أخنوش حتى في تقديم حصيلة مرحلية

عندما “ارتبك” السيد أخنوش حتى في تقديم حصيلة مرحلية
مصطفى الفنمصطفى الفن

ما هو أكبر تحد واجه الملك محمد السادس طيلة هذين العقدين ونصف العقد من العهد الجديد؟

يمكن أن أقول، وبدون تردد، إن أكبر تحد واجه الملك طيلة هذا “الربع قرن” من السياسة ومن الحكم هو احتجاجات الربيع العربي..

وطبيعي أن يكون الأمر كذلك..

لأن هذه الاحتجاجات عابرة للحدود وغير مسبوقة وأطاحت بأكثر من نظام سياسي في أكثر من دولة عربية في محيطنا الإقليمي..

لكن كم احتاج جلالته من الزمن السياسي لتدبير هذه “الأزمة” الملغزة والتي أخرجت أكثر من 50 مدينة مغربية إلى الشوارع يوم 20 فبراير من سنة 2011..

والواقع أن جلالته لم يكن في حاجة سوى إلى 17 يوما لا غير ليضع بوصلة البلاد بكاملها على سكة جيل جديد من الأوراش الكبرى ومن الإصلاحات الكبرى..

وكلنا يتذكر كيف خرج الملك في خطاب “تاريخي” أسقط فيه الكثير من “الطابوهات” الدستورية ووضع قطار البلد على سكة الملكية البرلمانية..

حصل هذا حتى أن صحافيا علق منوها بمضامين هذا الخطاب في عنوان مثير على صدر الصفحة الأولى من جريدته:

“الملك يسقط النظام”..

بل إن هذا الخطاب الملكي حدد “خارطة الطريق” وحدد معها حتى وصفة العلاج للخروج من هذه الأزمة غير المتوقعة..

كما أنه ليس سرا أن هذا الخطاب كان، بحق، تجاوبا ذكيا وسريعا مع شارع “غاضب” ومع مطالب الناس في درس بليغ أكد من جديد هذا الذي يسميه البعض ب”الاستثناء المغربي”..

أما خارطة الطريق فقد تضمنت حزمة إجراءات “عملية” لعل أولاها هي الدعوة إلى استفتاء شعبي..

وإلى دستور جديد يخرج من صناديق الاقتراع..

وإلى استحقاقات انتخابية جديدة..

وإلى تشكيل حكومة جديدة سيقودها فاعل سياسي كان ربما “شبه منبوذ” من طرف الداخل والخارج..

نعم هكذا سارت الأمور في المغرب في وقت اختارت فيه كل الأنظمة العربية “تقريبا” أن تواجه نشطاء الاحتجاجات الشعبية السلمية بالقتل العشوائي وبالحديد وبالنار وبالمدرعات العسكرية..

وبالطبع، كانت الحصيلة على الأرض جد ثقيلة في محيطنا الإقليمي:

سقوط نظام بنعلي في تونس..

سقوط نظام حسني مبارك في مصر..

سقوط نظام امعمر القذافي في ليبيا..

وانشق السودان مثل “فولة” إلى نصفين، وبسط العسكر حكمه على طول البلاد وعرضها..

وتمزق اليمن إلى شعوب وقبائل لازالت، إلى اليوم، تتقاتل وتتناحر فيما بينها..

أما سوريا فقد تحولت إلى إلى “شبه بلد” كما لو أن المسكينة “مضروبة” بقنبلة نووية..

عكس كل هذا، انتصر بلدنا إلى صوت العقل واختار أن يتعامل بحرفية وأعطى درسا هاما في تدبير الأزمات وفي امتصاص الصدمات الشعبية الكبرى..

وفعلا ففي أقل من 17 يوما، رأينا كيف أن البلاد، بجميع مؤسساتها، انخرطت في آفاق جديدة وفي جيل جديد من الإصلاحات نزعت “فتيل” الاحتقان وزرعت الآمال والأمان وسط النفوس الحائرة..

بل رأينا حتى قادة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مثل عبد الحميد أمين وربما حتى خديجة الرياضي يتحدثون عن قضايا ذات “حساسية” على شاشة القناة الثانية “دوزيم”..

وقع كل هذا دون أن يقع أي مكروه في البلد..

لكن لماذا أذكر بهذا السياق الذي أصبح اليوم جزءا من الماضي؟

أذكر بهذا السياق لأنه، أولا، هو جزء من تاريخ بلدي..

وثانيا، لأنه سياق مفروض أن يلهم الآن أي مسؤول مغربي لأخذ الدرس والعبر من “حكمة ملك” في التعامل مع الأزمات الطارئة..

كما أذكر بهذا السياق، وهذا هو الأهم، لأنه بدا لي أن رئيسنا في الحكومة السيد عزيز أخنوش لم يأخذ ربما الدرس ولا العبرة من هذا “الأداء الملكي”..

ففي الوقت الذي احتاج ملك البلاد إلى 17 يوما فقط لتدبير أخطر أزمة واجهت المغرب في هذا العهد الجديد وهي احتجاجات 20 فبراير..

ها نحن نرى كيف أن السيد أخنوش، ورغم مرور أكثر من سنتين ونصف من عمر ولايته الحكومية، إلا أن الرجل الثاني في هرم الدولة لازال “مترددا” ولا زال “مرتبكا” حتى في تقديم “حصيلة مرحلية”..

ثم إن الحصيلة سواء كانت مرحلية أو نهائية هي، في الأصل، انعكاس بمفعول إيجابي على حياة الناس في الصحة وفي التعليم وفي السكن اللائق وفي الحقوق وفي الكرامة وفي المعيش اليومي..

وهذا معناه أن الحصيلة الحكومية هي ليست لوك كلام مكاتب الدراسات التي تقتات من المال العام..

وأيضا ليست ترديد أرقام وإحصاءات لا وجود لها على أرض واقع مغربي يكتوي فيه الناس بنار الغلاء المشتعلة في كل شيء بما في ذلك “مازوط” إفريقيا..

ورأيي أن أن حكومة السيد أخنوش إذا ظلت “وفية” لهذه الوتيرة في الاشتغال، فإنها في حاجة ربما إلى سنتين ونصف أخرى من الزمن السياسي لعلها تنقذ طلبة كليات الطب من سنة بيضاء أصبحت تلوح في الأفق..

طبعا لن نتحدث عن تلك الجبال من الوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي والتي باع فيها السيد أخنوش الوهم المغاربة..

لماذا؟

لأن تنزيل هذه الجبال من الوعود دونه “خرط القتاد”..

وأكيد أن السيد أخنوش، الذي قيل لي إنه “يكره” الفقراء، سيحتاج ربما إلى أكثر من ولاية حكومية لعله يجد جوابا لهذا السؤال:

هل يستحق المغاربة من أصحاب نظام “راميد”، الذي هو في الأصل مشروع ملكي، علاجا مجانيا أم لا يستحقونه؟.