الخبر من زاوية أخرى

سعاد البراهمة.. امرأة من فولاذ على رأس الجمعية..

سعاد البراهمة.. امرأة من فولاذ على رأس الجمعية..
مصطفى الفنمصطفى الفن

ما هي قصة تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؟

أو بالأحرى ما هي قصة تأسيس هذا الصرح الحقوقي القوي الذي ترأسته اليوم امرأة مصفدة بالمبادئ قولا وفعلا اسمها سعاد البراهمة؟..

وأنا هنا لا أنثر الورود على امرأة لا أعرفها ولا أتذكر أني تحدثت إليها يوما ما..

قصة تأسيس الجمعية هي في الأصل فكرة اتحادية من أيام الزمن الجميل للاتحاد..

أي عندما كان الاتحاد حزبا للقوات الشعبية..

وأيضا عندما كان المنتمي إلى حزب الاتحاد مثل القابض على الجمر ومثل القابض على النار..


فكرة تأسيس الجمعية على شكل نواة حزبية متفرعة عن اللجنة الإدارية مهمتها تضميد جراح وآلام أسر وأبناء المعتقلين الاتحاديين وغير الاتحاديين الذين اعتقلوا في سبعينات القرن الماضي..

وانصب عمل هذه النواة، في البداية، على تنصيب محامين للترافع أمام محاكم المملكة لفائدة هؤلاء المعتقلين الذين لم يكونوا يعارضون الحكومات وإنما كانوا يعارضون نظام الحكم ونظام الراحل الحسن الثاني..

كما انصب عمل هذه النواة أيضا حتى على كل ما هو اجتماعي والذي شمل شراء الكتب وشراء ملابس العيد وشراء كل ما يحتاجه أبناء وأسر المعتقلين..

وروى لي الأستاذ والمحامي محمد كرم، واحد من الجيل المؤسس للجمعية والذي جرب السجن وجرب الاعتقال في سنوات الرصاص، قصصا كثيرة تستحق أن تروى في مقالات أخرى..

وكان بيت عمر الخطابي، قريب الراحل عبد الكريم الخطابي، أول بيت بالقنيطرة الذي احتضن تلك اللقاءات الإعدادية لميلاد الجمعية..

وتوالت هذه اللقاءات، فيما بعد، بمنزل المحامي عبد الرحمن بنعمرو قبل أن تختم الأمور باجتماع تأسيسي احتضنه مقر أو قبو لنقابة “السي دي تي”، في نهاية السبعينيات بديور الجامع بالرباط..

وقد تكون الجيل المؤسس للجمعية من أسماء اتحادية وازنة لا بأس أن نذكر منها السي محمد اليازغي شافاه الله والراحل لحبيب الفرقاني وعلي أومليل والحيحي ومحمد كرم والطاهر وديعة..

كما التحق فيما بعد بالجمعية النقيب عبد الرحيم الجامعي وحتى شخصيات أخرى غير اتحادية مثل النقيب بنزاكور والهادي مسواك الذي كان في وقت من الأوقات طبيبا للملك الحسن الثاني..

ولأن الحياة ليست خطا مستقيما، فقد عرف قارب الجمعية بعض الاهتزازات الداخلية قبل أن ينعكس ذلك على تركيبة الجمعية وحتى على وتيرة الاشتغال..

غير أن هذا لم يمنع الجمعية من أن تظل ربما الإطار الأكثر ديمقراطية والأكثر مصداقية والأكثر إنصافا للمرأة والذي فتح أبوابه لكل التيارات ولكل المكونات دون ينفجر من الداخل..

وربما يمكن القول أيضا إن الجمعية ظلت دائما صوتا يدافع عن كل المظلومين مهما كانت مرجعياتهم الفكرية والمذهبية..

وظلت أيضا صوتا يدافع حتى عن “أعداء” حقوق الإنسان وحتى عن الخصوم الإيديولوجيين أيضا..

وأنا أذكر بهذا الماضي لعلنا نفهم بعض الأسئلة التي يطرحها حاضر الجمعية اليوم..

وأكاد أقول أيضا إن الجمعية، اتفقنا أو اختلفنا معها، فهي ترسم، بلا شك، صورة مشرقة للوطن حتى وأن حاول البعض منا، بحسن نية ربما، أن ينزع عنها رداء الوطنية..

وربما ليس عبثا أن عقلاء الوطن أو رجالات “المخزن ديال بالصح” كانوا دائما ما ينتصرون للحكمة وللعقل في أوقات الشدة والاصطدام مع الجمعية مثلما ما حدث في مؤتمرها الأخير..

وأيضا مثلما حدث في عهد وزير الداخلية حصاد الذي دفع في اتجاه حل وإزالة المنفعة العامة عن الجمعية قبل أن يفاجأ بمن قاله من داخل مؤسسات الدولة:

“السيد حصاد، لا يمكن لحكومة عبد الرحمن اليوسفي أن تعطي للجمعية المنفعة العامة ثم تأتي حكومة أخرى لتنزع عنها هذه المنفعة..”..

ولا أريد أدخل في بعض التفاصيل التي قد لا يسمح بها السياق..

وها أنتم تلاحظون اليوم كيف يتكرر السيناريو نفسه..

ففي الوقت الذي كان البعض متحمسا لحرمان الجمعية حتى من أبسط حقوقها بما فيها حقها في الدعم العمومي وحقها في قاعة عمومية لتنظيم مؤتمرها، فقد انتصر الوطن لما هو عكس ذلك تماما..

ماذا يعني هذا كله؟

هذا معناه أن هذا الإطار الحقوقي هو جزء أصيل من هذا الوطن وليس طارئا عليه أو خائنا له كما يصوره البعض..

وهذا معناه أيضا أن انتخاب محامية ومناضلة من فولاذ مثل سعاد البراهمة على رأس هذه الجمعية هو ليس نزهة على شط البحر..

انتخاب امرأة لا تخاف وتعطي بلا حساب من وقتها ومن مالها الخاص مثل سعاد البراهمة هو أيضا امتداد لهذا الجيل من النساء والرجال الذين أدوا الثمن غاليا لكي يظل هذا المغرب المتعدد دون أن يضيق بأبنائه..

فهنيئا للجمعية..

وهنيئا للوطن بسيدة هي ابتداء وانتهاء سليلة أسرة مناهضة للظلم مثل سعاد البراهمة رئيسة جديدة لجمعية حقوقية “لا يمكن تصور المغرب بدونها” مثلما قال ذلك كثيرون..
..
مصطفى الفن