الخبر من زاوية أخرى

قضية الدعم المالي للأحزاب السياسية.. هل سقط إدريس في شبهة التبخيس والتحقير لقرار ملكي؟

قضية الدعم المالي للأحزاب السياسية.. هل سقط إدريس في شبهة التبخيس والتحقير لقرار ملكي؟
مصطفى الفنمصطفى الفن

ما هي قصة هذا الدعم المالي المخصص للأحزاب وللدراسات ولمكاتب الدراسات الوهمية وغير الوهمية؟

أو بالأحرى:

ما هي قصة صرف هذا الدعم المالي الذي أثار كل هذا الجدل قبل أن يتحول ربما إلى انشغال يومي وإلى قضية جدية وربما حتى إلى تقارير استخباراتية لدى السفارات والتمثيليات الأجنبية المعتمدة ببلادنا؟

وهو جدل كشف بالملموس بأن بعض أحزابنا يترأسها “حرفيون” كبار في “النصب” وفي “الاحتيال” وفي أعمال “السرقة الموصوفة” والمتكاملة الأركان..

وكم هو صادم عندما يلعب السي ادريس دور الضحية ويفسر هذا الجدل لصالحه فقط لأن السيد طرح ملتمسا مجهول النسب لإسقاط حكومة لازال ربما يحلم، ليل نهار، لعله يكون رفقة أبنائه ضمن وزرائها..

مقابل هذا، هناك من يدعو إلى ما هو أبعد في هذه القضية وهو ضرورة وضع هذا الملف على طاولة البحث والتحقيق بالنيابة العامة..

وتحية من هذا المنبر للمحامي السي محمد الغلوسي على العمل الجبار الذي يقوم به دفاعا عن حرمة المال العام..

وهذا هو المفروض وهذا هو منطق العدالة لأن إدريس وأبناءه وشركاءه ليسوا فوق المحاسبة ولأن التهمة هي أشبه بغصب أموال من أموال دافعي الضرائب..

طبعا لسنا في حاجة هنا إلى التذكير بأن الأصل في فكرة هذا الدعم المالي هو أمر ملكي وتضمنه خطاب ملكي أيضا..

حصل هذا قبل قرابة خمس سنوات، وتحديدا في أكتوبر 2018 بمناسبة افتتاح البرلمان عندما دعا الملك محمد السادس، حفظه الله، إلى تمكين الأحزاب السياسية من دعم مالي عمومي..

وكان الهدف من تخصيص هذا الدعم هو مساعدة الأحزاب على الانفتاح على الأطر وعلى الكفاءات وعلى الخبرات في أفق توظيفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار..

كما كان الهدف أيضا، استنادا إلى ذلك الخطاب الملكي نفسه، هو “مواكبة هذه الهيئات السياسية وتحفيزها على تجديد أساليب عملها بما يساهم من جودة التشريعات والسياسات العمومية”..

إذن ماذا يعني هذا كله؟

هذا معناه أن جوهر فكرة الدعم كان، في البداية، نبيلا وكانت له أهمية بمكان في مشهد حزبي وسياسي تخترقه الكثير من الأعطاب المزمنة..

ثم إن أحزابنا هي فعلا في حاجة إلى هذه الكفاءات لكي تكون لها الريادة و”القوة الاقتراحية” في تنزيل قضايا كبرى واستراتيجية هي من صميم السياسات العمومية ومن صميم التشريع في البرلمان وربما حتى في مؤسسات دستورية أخرى..

لكن كيف تفاعلت بعض الأحزاب مع هذا القرار الملكي، الذي مكنها من الدعم المالي طالما أن الخطابات الملكية تبقى هي نفسها، بمعنى من المعاني، قرارات ملكية بمقتضى الدستور؟

صحيح أن بعض قادة الأحزاب تعاملوا بذكاء سياسي في هذه القضية وتصرفوا ببعض السمو والعفة مع المال العام حتى وإن كان بإمكانهم هم أيضا أن يختلقوا ويفبركوا زلزال 23 دراسة في 23 يوما..

لكنهم لم يفعلوا إلا إدريس “القوات الشعبية” أبى وأصر على أن يتعامل مع قرار ملكي نبيل كأي خبير في “أعمال اللصوصية” حتى لا أقول إن “صغير” الاتحاديين سقط ربما في شبهة التبخيس والتحقير لقرار يعود أصلا لأعلى سلطة في هرم الدولة..

واعتقادي أن الأمر هو ربما بهذة “العنجهية” الممزوجة ب”اللهطة” وب”الجوع النفسي” عندما لا يجد الرجل رقم واحد في الاتحاد أي حرج سياسي، أو أخلاقي أو قيمي أو ديني، في أن يوزع أموالا عامة على أبنائه وعلى بناته بدون علم مؤسسات الحزب وبدون أن ينتفض الأبناء في وجه الأب..

وأنا أقول بهذا ولو أن أشياء كثيرة تهم ربما مالية الحزب لا علم للحزب بها إذا ما صح هذا الذي يروج أيضا حول تلك الفترة الرمادية التي تزامنت مع “البلوكاج الحكومي” الذي أعقب انتخابات 2016..

كما لا أدري ما إذا كان إدريس لا زال يتذكر ذلك الخطاب الملكي الذي قال فيه ملك البلاد إنه، ومعه الشعب المغربي، لم يعد يثق في بعض السياسيين..

وأنا أخشى أن يكون ادريس واحدا من هؤلاء السياسيين الذين تمت الإشارة إليهم ربما في نص هذا الخطاب الملكي..

وهذا وارد جدا لأن ما ارتكبه إدريس، من “فضائح” ومن “إساءات” ومن كوارث بعضها فوق بعض في حق الاتحاديين وفي حق حزب عريق، لم يرتكبه ربما حتى “أفسد الفاسدين” الكبار في جميع الأحزاب الإدارية وفي حزب الراحل أرسلان الجديدي رحمه الله..

وأنا أعتذر هنا للأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري لأني بالغت ربما في انتقاده أكثر من مرة رغم أن هذا القائد الدستوري هو بالتأكيد أنظف وأنقى بكثير من هذا القائد الاتحادي “المزور” وربما غير الأصيل..

وظني أن إدريس لم يعد يتذكر ربما من تاريخ الاتحاد أي قيمة وأي مبدأ وأي موقف سوى أنه كان يتأبط “سنسلة” حديدية لتعنيف وترهيب الطلبة والطالبات من خصوم الحزب..

فهل تنكر إدريس لكل شيء ونسي أن التاريخ يسجل للقادة الاتحاديين الحقيقيين أنهم كانوا أصحاب أيد نظيفة وأصحاب ذمة نزيهة وأصحاب تضحيات جسام وأصحاب مواقف قوية أيضا..

وأنا أستبعد أن يكون إدريس جزءا من هذا الماضي المشرق للاتحاد أو امتدادا لهؤلاء الاتحاديين الذين ربطوا الماضي بالحاضر وظلوا يرسمون صورة مضيئة عن الحزب وعن السياسة في الوطن عن الفكرة الاشتراكية في الوطن..

كما يسجل التاريخ أيضا أن العلاقة بين الاتحاد والقصر كانت دائما علاقة “تقدير” و”احترام” حتى وإن دخل الاتحاديون في حرب تكسير العظام مع نظام الحسن الثاني خلال السنوات الأولى التي أعقبت استقلال البلاد..

لكن لم يسجل التاريخ أن الاتحاديين نزلوا إلى هذا الدرك الأسفل من الأخلاق وإلى هذا الحضيض وإلى أرذل العمر إلى درجة أن بعض المنتمين للحزب أصبحوا يخجلون من ذكر انتمائهم السياسي في هذه النسخة المشوهة للاتحاد مع إدريس..

والحقيقة أيضا أن المغاربة لا زالوا يذكرون بخير كل الآباء وكل القادة المؤسسين للاتحاد ورموز الاتحاد وزعماء الاتحاد وشهداء الاتحاد.. وهم كثيرون طبعا..

بل لا زال المغاربة يترحمون على الزعيم الوطني عبد الرحيم بوعبيد الذي أدى الثمن غاليا من حريته بعد “خلاف الشجعان” مع الراحل الحسن الثاني في قضية الاستفتاء على جزء عزيز من التراب المغربي..

ومن منا لم يسمع بالمقولة الشهيرة للسي عبد الرحيم بين يدي الحسن الثاني وقتها:

“رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”..

وعلى نفس هذا النهج سار، من بعده، الزعيم عبد الرحمن اليوسفي الذي لم يسجل عليه المغاربة أنه دفع بأقاربه إلى مناصب الريع أو مناصب المسؤولية أو أخذ درهما بغير حق من المال العام..

وحتى عندما “غضب” اليوسفي، في سياق سياسي خاص، من عدم التجديد له على رأس الحكومة لولاية ثانية بعد أن تصدر الاتحاد انتخابات 2002، فإنه حرص أن يتصرف كسياسي كبير وكرجل دولة أيضا..

واكتفى اليوسفي، بعد كل ذاك الذي وقع، بإلقاء محاضرة ببلجيكا قال فيها كل شيء في عبارة من لفظتين: “جيوب المقاومة”..

لكن قالها بأدب وبمسؤولية أيضا..

وربما لهذا السبب، ردت أعلى سلطة في البلد على التحية بأحسن منها وتم تكريم اليوسفي ومن خلاله تم تكريم الاتحاد أكثر من مرة وبأكثر من طريقة..

ولعل واحدا من هذا التكريم الملكي، الذي لم يقدره إدريس ربما حق قدره، وهو إطلاق اسم اليوسفي على شارع في مدينة طنجه دشنه الملك شخصيا..

وحتى السي محمد اليازغي، الذي تحمل مسؤولية قيادة الاتحاد في فترة من الفترات، لم نسمع عنه ما يقترب من هذه “الفضائح” التي تنفجر تباعا وكل يوم من مقر اتحاد لشكر بشارع “العرعار” بالرباط..

كل ما سمعنا عن السي محمد اليازغي أنه طرح، بلطف وبالاحترام الواجب، أكثر من رأي وفي أكثر من قضية في مجالس وزارية مثلما جرى في قضية جزيرة ليلى أو في قضية مدى إمكانية تحويل بعض القصور الملكية إلى متاحف..

وهذا معناه أيضا أن العلاقة بين حزب الاتحاد الاشتراكي وبين المؤسسة الملكية ليس هو الاحترام والتقدير فحسب..

الثابت في هذه العلاقة بين الاتحاديين وبين المؤسسة الملكية هو هذه “الصراحة والمصارحة” أيضا في كل القضايا التي تهم الوطن..

بقي فقط أن أقول على سبيل الختم:

وأنا أعيد قراءة تقرير زينب العدوي حول دعم الأحزاب السيلسية والمرفوع إلى رأس الدولة، أعترف بأنه انتابني “انطباع” كدت أن أقول فيه ربما ما يشبه هذا الكلام:

“إن الأب قد يكون لصا محتملا.. وإن الابن قد يكون لصا محتملا.. وإن ضابط الكهرباء قد يكون لصا محتملا.. وإن الساكت عن اللصوصية قد يكون هو أيضا لصا محتملا..”..

وبالطبع، كان لزاما علي أن أذكر بكل هذا لأن هناك أناسا كثيرين هم الآن خلف القضبان لم يرتكبوا ربما حتى 10 في المائة من هذه الأفعال القريبة ربما من “اللصوصية” الرعناء والمستفزة والمهيجة للشارع والماسة بمشاعر الجمهور الناشئ والمغذية للتوتر والاحتقان.