الخبر من زاوية أخرى

وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان و”استقلال مهنة المحاماة على ضوء استقلال السلطة القضائية والمستجدات التشريعية”

آذارآذار


تقدم وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، اليوم الجمعة 5 يوليوز 2019، بمداخلة بين يدي الندوة الدولية حول موضوع “استقلال مهنة المحاماة في سياق استقلال السلطة القضائية والمستجدات التشريعية “ التي نظمها الاتحاد الدولي للمحامين، بشراكة مع هيئة المحامين بالدار البيضاء.
 
موقع "آذار" يعيد نشر نص المداخلة: 
 
ان الحق في العدالة من الحقوق الأساسية الثابتة لكل إنسان، بل هي أسمى الحقوق واجلها وأنفسها.
 
وكما هو معلوم، فإن العدالة لا تتحقق إلا من خلال كلا جناحيها اللذان ينبغي أن يكون الاستقلال والنزاهة الصفتان الضروريتان اللازمتان اللتان لا تنفكان عنهما ولا تقوم قائمتهما إلا على أساسهما وبفضلهما. وأعني هنا القضاء والمحاماة.
 
ولذلك فقد توفقت هذه الندوة الدولية لما جعلتهما قرينين ومتلازمين فيما قررته من عنوان لها "استقلال مهنة المحاماة على ضوء استقلال السلطة القضائية والمستجدات التشريعية".
 
وقد دأب المحامون عبر مؤتمراتهم وندواتهم ونضالاتهم على عدم الفصل بين استقلال المحامي واستقلال القاضي إيمانا منهم بأن استقلال مهنتهم لا يعني شيئا، إذا لم يتحقق الاستقلال التام للقضاء.
 
وقد تحقق هذا الاستقلال بأرقى المعايير بناء على ما نص عليه دستور 2011، وما تضمنه القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
 
ومن أجل دعم هذا الاستقلال وتعميقه قامت الحكومة بشكل إرادي بإحالة القانون المنظم للتنظيم القضائي على المحكمة الدستورية لفحص مواده وإعادة قراءتها على ضوء المرجعيات الدستورية، نظرا لما تضمنه هذا القانون من مقتضيات تنظم مستويات علائقية حساسة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية داخل المحاكم، وهي مبادرة لا يمكن أن تتحقق إلا في الدول الحريصة على تمحيص استقلال قضائها التمحيص التام، هذا بغض النظر عما يمكن أن يكون لنا من رأي فيما ذهبت إليه المحكمة الدستورية في بعض فقرات قرارها.
 
وهنا أذكر أن المقاربة الوطنية لاستقلال السلطة القضائية بجناحيها القضائي والنيابي (النيابة العامة) كان حظها التوفيق بما نالته من اهتمام وإعجاب المرجعيات المختصة كما هو الحال بلجنة فينسيا التابعة لمجلس أوربا وغيرها.
غير أن ذلك لا يعني استيفاء جميع عناصر الاستقلال، ذلك أن الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية لا يغني عن الاستقلال الذاتي للقاضي بالتحلي بصفات النزاهة والاستقامة والشرف وهي صفات ضرورية للتجسيد الفعلي لاستقلال السلطة القضائية من خلال الممارسة القضائية لمنتسبيها.
كما ان اعتزازنا بما حققته بلادنا على صعيد الاستقلال المؤسساتي لا يحول دون الدعوة إلى تعميق التفكير في إعادة النظر في وجود مؤسستين للتفتيش، إحداهما للتفتيش القضائي والأخرى للتفتيش الإداري والمالي، واللتان تشتغلان في مجالين متداخلين تداخلا ذي حساسية خاصة.
لذلك أدعو إلى اعتماد مفتشية واحدة مستقلة تكون رهن إشارة وزارة العدل فيما يخص التفتيش ذي الطبيعة الإدارية.
وأيضا رهن إشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية فيما يرتبط باختصاصاته، كما يمكن أن تكون رهن إشارة رئاسة النيابة العامة في إطار ممارستها لمهامها الرئاسية على أعضاء النيابة العامة.
 
وسيكون من المفيد أن تتولى مؤسسة التفتيش القضائي والإداري مهمة المتابعة أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية وذلك لإمكان الفصل بين سلطة المتابعة وسلطة الحكم على صعيد هذا المجلس، كما ينبغي منحها الحق في الطعن في قرارات المجلس عند الاقتضاء أمام الغرفة الإدارية لمحكمة النقض في انتظار 
 
استجماع الشروط اللازمة لتأسيس مجلس الدولة كما أسفرت عن ذلك توصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
 
حضرات السيدات والسادة:
 
إن مهنة المحاماة وكما هي مؤطرة بالقانون المنظم لها، تحظى بكل شروط الحرية والاستقلالية التي تؤهل المحامي للقيام بمهامه على أحسن وجه خدمة للعدالة وحماية للحقوق والحريات، وسيتعزز كل ذلك بما ننتظر أن يسفر عنه وجه كل من مشروع قانون المسطرة الجنائية ومشروع قانون المسطرة المدنية، إضافة إلى ما يمكن أن يخضع له قانون المهنة من تعديلات وتصويبات في إتجاه مزيد من دعم الحرية الضرورية والاستقلالية اللازمة، وصيانة كرامة المحامي وشرف مهنته، وتدقيق النصوص وضبط معانيها، ومن ذلك على سبيل المثال ما تعلق بحق رئيس الجلسة في حالة حدوث اضطراب أو ضوضاء، حيث حصل ان اعتبر المحامي وكيلا يسري عليه ما يسري على عموم الوكلاء.
وبالرغم من أنه خلال العقود الأخيرة حدث مرة واحدة وبالضبط سنة 2016 أن تم طرد محام من الجلسة باعتماد الفصل 43 من قانون المسطرة المدنية.
 
ومع أن واقعة الطرد التي صدر بشأنها قرار باسم جلالة الملك وطبقا للقانون قالت محكمة الاستئناف عن حق بإلغائها، فإن هذه الواقعة حدثت أخيرا بإحدى محاكم فرنسا الشيء الذي أدى إلى اهتزاز في العلاقة البينية المؤسساتية القضائية والمهنية وهو ما اقتضى تدخل رئيس المحكمة ورئيس الهيئة لإعادة ترميمها من خلال بيان مشترك.
 
وجذير بالذكر أن المعايير الأممية تنص على أن على الدولة أن تكفل للمحامين القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل 
 
غير لائق، وذلك في مقابل تحلي المحامي بواجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها، ومن ذلك واجب احترام القضاء وآداب المرافعة فضلا عن احترام باقي الأطراف.
كما أن المعايير الدولية تنص على أنه إذا كان المحامي موضع متابعة من أجل فعل جرمي ارتكب داخل الجلسة لا يمكن أن تطبق عليه أي عقوبة من لدن القضاة المحال عليهم القضية التي كان المحامي يباشر في نطاقها مهنته، علما أن المتابعة تحال آنذاك على المحكمة أو الهيئة المختصة.
 
لذلك لا مناص من إزالة اللبس والإبهام والغموض في هذا الباب وغيره لضمان احترام المحامي والحفاظ على كرامته بقدر ما يتعين قيام المؤسسات المهنية بإنتاج مدونة سلوك جامعة للأعراف الراقية والتقاليد العريقة للمهنة، والتي ينبغي ان تؤطر سلوك المحامي ليكون سلوكا مجسدا لمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة.
 
وجدير بالذكر أن المملكة المغربية كانت قد استكملت كل الاستعدادات لاستقبال المقرر الخاص  المعني باستقلال القضاة والمحامين، بما فيها إعداد مشروع برنامج زيارة وإطار مرجعي وورقة تأطيرية بشأنها وموافاة المقرر الخاص بالوثائق المطلوبة من قبله، لكن المقرر الخاص هو من ألغى الزيارة من جانبه بعلة عدم توفر الضمانات الكافية لإجراء الزيارة، علما أنه بعد إدراج جميع المدن والفاعلين المقترحين من لدن المقرر الخاص، اقترحت السلطات المغربية إغناء البرنامج بفاعلين آخرين معنيين قصد ضمان أن تكون الزيارة مطبوعة بالتوازن والشمولية المطلوبة وفق مدونة قواعد السلوك لأصحاب الإجراءات الخاصة.
 
هذا علما أن المملكة المغربية استقبلت منذ مطلع الألفية الثالثة الى الآن 12 إجراء خاص والتي استطاعت القيام بزيارتها الى المغرب بكل حرية ودون شروط مسبقة.
حضرات السيدات والسادة:
 
إن هذه الندوة المباركة ستكون مناسبة لإبراز ما يتعين إبرازه من جوانب مضيئة في التشريع الوطني، كما هو الحال بالنسبة لجوانب القصور فيه على ضوء المعايير الدولية.
غير أنني متأكد أن المحامي كما الحال بالنسبة للقاضي لا يتأسس استقلاله الحقيقي على مجرد النصوص، إنما أيضا على أخلاقه وسلوكه ونزاهته وحرصه على الحفاظ على شرفه وكرامته، وذلك ما يمكن أن يمثل استقلاله الحقيقي ورفعة شأنه وسمو قدره.
 
ومتأكد أيضا من أن استقلال المحامي ليس فقط في علاقته بالسلطة بمعناها الخاص، وإنما في علاقته بالسلطة بمعناها العام، وعلى رأس ذلك سلطة المال الذي كثيرا ما يعمي الأبصار، ويذهب البصيرة، فينزلق بالبعض إلى متاهات الانحراف ومهاوي الجريمة.
 
ومن ذلك أيضا إغراء الشهرة الذي يؤدي بالبعض لارتكاب المخالفات الجسيمة.
 
وصدق الله العظيم إذ قال: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم