الغرب والخوف المرضي من الإسلام
احتضنت العاصمة الإماراتية أبو ظبي، الأسبوع الماضي، الملتقى الثالث لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية. وهو الملتقلى الذي خصص هذا العام لمعاجلة قضية الإسلاموفوبيا وحمل عنوان"السلم العالمي والخوف من الإسلام.. قطع الطريق أمام التطرف"، وشارك فيه العشرات من العلماء والمفكرين من مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي.
وربما شاءت المصادفات أن ينعقد هذا الملتقى الرابع في وقت متزامن مع صدور قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو القرار الذي هز العالم العربي والإسلامي من طنجة إلى جاكرتا، فجاءت ردود فعل الشارع في العالمين العربي والإسلامي غاضبة كما عبرت عن ذلك المسيرات والمظاهرات التي خرجت تحتج في اتجاهين، اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية تنديدا بالقرار، واتجاه الدول العربية والإسلامية استنكارا للعجز.
ولكن المصادفة أيضا هي التي كانت وراء اختيار عنوان الملتقى. فالإسلاموفوبيا اليوم، بوصفها حالة عداء للإسلام والمسلمين، لم تعد قاصرة على الخطابات الشعبوية لدى اليمين الأوروبي فحسب، بل أصبحت جزءا من ثقافة دوائر القرار السياسي في أوروبا والغرب. وفي مداخلتي خلال الملتقى قلت إن قرار ترامب يعتبر أكثر الإجراءات تعبيرا عن حالة أقصى من الإسلاموفوبيا، لأن القرار في جوهره إهانة لأزيد من مليار مسلم، وهو يدل على الاحتقار للأمة الإسلامية، ومن ثم فهو التعبير الفصيح عن الإسلاموفوبيا.
هناك خطاب كاذب منتشر في وسائل الإعلام الغربية والأوروبية وفي مراكز الأبحاث في أوروبا، أساسه أن الغرب ضحية التطرف والإرهاب الذي تقوم به جماعات تنتمي إلى الدين الإسلامي وتقوم بأعمال القتل والتفجير باسم هذا الدين.
ويستند هذا الخطاب إلى أطروحة مفادها أن العالم الإسلامي مصدر الشرور في العالم، وهي أطروحة وجدت صداها في نظرية صدام الحضارات التي دافع عنها المنظر الأمريكي صامويل هانتنغتون في بداية التسعينات من القرن الماضي، حين دعا إلى إقامة الحواجز ما بين الغرب والعالم الإسلامي ونصب الجدران للحيلولة دون الالتقاء بينهما.
وفي الواقع لم تكن هناك نظرية أكثر شوفينية وانغلاقا من هذه النظرية التي أراد فيها صاحبها استعادة تاريخ روما وكيف أنها كانت تحمي نفسها خلف قلعة منيعة ضد الشعوب الهمجية المعادية للحضارة.
مثل هذا الخطاب ليس صحيحا على الإطلاق. إن أعداد الضحايا من المسلمين للعمليات الإرهابية باسم الإسلام يفوق بعدة أضعاف ضحاياها من الأوروبيين. فمقابل كل شخص يسقط قتيلا في أوروبا هناك المئات الذين يذهبون ضحية عملية تفجير واحدة في المنطقة العربية.
ومنذ العام 2003 تاريخ احتلال العراق وظهور الجماعات المسلحة قتل عشرات الآلاف من العراقيين، وفي أفغانستان ومالي وليبيا والجزائر ومصر واليمن وسوريا هناك المئات من الآلاف الذين يقتلون كل أسبوع في أعمال إرهابية، ولكن الغرب يتناسى هذه الحقائق ويوظف وسائل الإعلام ذات التأثير الأوسع وشبكة من المحللين والباحثين لكي يروجوا خطابا كاذبا يصور المسلمين وكأنهم مصدر البلاء والغرب وكأنه الضحية الوحيدة في العالم.
ويكفي أن نأخذ مثالا واحدا، وهو طرد تنظيم داعش في العراق للمسيحيين واليزيديين. لقد قلت في مداخلتي إن الغرب مارس نوعا من النفاق السياسي والتمييز العنصري حين ركز على هذه القضية وسلط عليها الأضواء الإعلامية، وكأن هذه الفئة هي الوحيدة التي تعرضت للطرد والتهجير، بينما وجدنا الآلاف من العائلات العراقية المسلمة تعرضت لنفس ما تعرضت له الطائفة المسيحية.
ولكن الإعلام الغربي ظل طوال أشهر يتحدث عن اضطهاد المسيحيين الشرقيين وكأن المسلمين هم السبب، ولم يلتفت إلى أن القضية في جوهرها هي قضية جماعات تفكيرية تتعامل بنفس المستوى مع المسلمين وغير المسلمين، لأنهم جميعا في خانة الكفر ويستحقون القتل أو الطرد في أحسن الأحوال.
إذا كان الغرب يسعى فعلا إلى محاربة ظاهرة الإرهاب، فليس من مصلحته اتخاذ قرارات مسيئة إلى ضمائر المسلمين. وكما قلت في نفس المداخلة، فإن الغرب مسؤول بشكل كبير عما آل إليه الوضع في العالم العربي بسبب السياسات الاستعمارية التي ما تزال قائمة، فهو كان جزءا من المشكلة، وعليه اليوم أن يكون جزءا من الحل إذا كان يريد فعلا القضاء على الإرهاب، وبداية الحل التعامل بالجدية اللازمة مع أزمات الشرق الأوسط وفي جورها القضية الفلسطينية.