الخمليشي يكشف لـ”آذار” جذور التطرف والتكفير ويقدم وصفة القضاء عليها
في هذا الحوار مع موقع "آذار"، يتوقف أحمد الخمليشي المفكر والعلامة ومدير دار الحديث الحسنية عند ظاهرة التطرف وجذورها وطرق معالجة هذه الظاهرة. وعزا الخمليشي بروز مظاهر التشدد إلى انعدام الوعي وتفشي الأمية وإلى غياب الارتباط بالاجتهاد المؤسساتي.
واعتبر الخمليشي المدرسة عاملا أساسيا ومنطلقا للإصلاح الديني والوعي الاجتماعي ولو أن هذا غير كاف، داعيا في الوقت نفسه إلى "حصر الاجتهاد في مؤسسات بعينها لئلا نصل إلى هذه النتيجة: نتقاتل والجميع يعتبر نفسه أنه لوحده على صواب".
(الجزء الأول)
-كيف تنظرون إلى بروز ظاهرة التطرف الديني في المغرب وحتى خارج المغرب؟
توجد العديد من المجالات الواسعة جدا التي تساهم في بروز هذه الظاهرة. فلا يمكن أن أقول إن المدرسة مثلا لا تساهم في بروز هذه التيارات وفي نفس الوقت لا يمكنني أن أحدد نسبة مساهمتها في ذلك، كما الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام أيضا.
وكذلك بالنسبة للاحتكاك بالحياة؛ فانتقال جالية مسلمة إلى الغرب ينتج عنه احتكاك. وهذا الاحتكاك نفسه ينشأ عنه رد فعل سواء من طرف الجالية المقيمة أو الغرب نفسه. ثم الوضع السياسي والوضع الاقتصادي، فأنتم تلاحظون أن غالبية المتطرفين في أوربا ينتمون لأحياء هامشية لم يدرسوا وعاطلون عن العمل.
إذن هي عوامل متعددة، ترتبط أساسا بمؤسسات المتابعة والتوجه العام الذي نعطيه للتلميذ. أي كيف يمكنه أن يتعايش مع العالم الذي هو فيه وكيف يعرف أن لرأيه حدودا، وعندما تقرر المؤسسة قرارا ما يمكن أن يجادل ولكن عن طريق الحوار.
-أنتم من الدعاة إلى الاجتهاد المؤسساتي، هل ترون أن هذا الاجتهاد يمكن أن يكون مدخلا للقضاء على هذا التشدد الذي نعيشه في الوقت الراهن؟
بطبيعة الحال، حين ننتقل إلى مسألة المؤسسات تختفي ظاهرة الإرهاب. ما معنى ظاهرة الإرهاب؟ الإرهاب هو إصرار الفرد على تنفيذ رغبته التي يراها هي الحق. ثم إن وجود مؤسسة يفرض على المواطن اتباع ما تفتيه عليه لا أن يفرض رأيه هو. نعم من حقه أن يكون له رأيه الخاص، ولكن يربطه بالمؤسسة التي تقرر أخيرا.
وهذا هو الأمر الذي لم يتحقق بعد على أرض الواقع والذي أظن أننا بعيدون عنه كثيرا. لأن الوعي قليل جدا والأمية لا تزال منتشرة جدا ولأن النظام المؤسسي، كما يقال "فيه شيء من حتى"، لماذا؟ لأنه مأخوذ عن الغرب.
-ما هي مواصفات هؤلاء الذين يتمردون على رمزية والعلماء والشيوخ؟
نحن لم نتدرب على المؤسسات من الناحية الفكرية، لذا نعتبر أن رأينا دائما هو الصائب ونتشبث به، والنظام المؤسسي هو الشيء الذي لم يترسخ فينا بعد لأسباب كثيرة. في مقدمتها؛ نشوء هذه المؤسسات في عالم آخر وليس داخل بلدنا. لهذا دائما نتحدث عن القانون الوضعي وعن استيراده. ولكي يندمج الفرد ويعرف أن المؤسسة فوق أي فرد يلزمه زمن ومجهود ثقافي وتربوي يبتدئ من المدرسة.
-طيب، هذا الإشكال الموجود بين القانون الوضعي والدين والذي سبق وأن تطرقتم إليه، كيف تفسرونه، وكيف يمكن تجاوز هذا الجدل؟
هذه المقولة ترسخت وانتشرت ولا تزال تنتج آثارها السلبية. والحديث عن هذا الجدل يستوجب منا استحضار الجماعة والمجتمع اللذين يملكان وعيا جماعيا يفكران به. فحين يصلان إلى مرحلة مهمة من الوعي يدركان وجود تناقض بين الشريعة وما يصطلح عليه بالقانون الوضعي. والقانون الوضعي هو الاجتهاد الذي تجعل منه المؤسسة قانونا ملزما لها في بناء مرافقها.
-هل ترون بأن السبب في كل هذا هو طبيعة نشأة الدولة في العالم العربي، التي أدت إلى هذا الخلل؟
الأمر مرتبط بمستوى الوعي الذي وصلنا إليه، والأمية التي تفوق 40 و50 في المائة ببعض المجتمعات بالإضافة إلى الرواسب الثقافية الناشئة عن الاصطدام بالغرب. وكذلك المعاناة التي عاشتها هذه المنطقة ولا تزال. فهذه الأسباب مجتمعة هي التي أنتجت كل هذه النتائج التي ندفع نحن اليوم ضريبتها.
-قبل عقود، وبحكم خبرتكم، كانت هنالك مبادرات ما يسمى بتقعيد الفقه الإسلامي، هل الخلل يكمن في العجز في تقنين ومأسسة الفقه الإسلامي؟
يجب أن نقف عند معنى التقنين أولا، فهل يقصد به نقل ما وجد أو ربطه بالمستجدات؟ القضية ليست قضية تقعيد أو تقنين أو عدمه. المشكل هو تشبثنا بالعموميات. فحين نتحدث عن التقنين، يجب أن نعرف مضمون هذا التقنين الذي هو الشطر الأكثر أهمية في الموضوع. والغرض هو نوع التقنين بدل الارتباط بما هو شكلي وتحويل النصوص الفقهية إلى نصوص قانونية.
-هل يمكن القول إن الفئة الأمية هي التي تنتج التطرف؟
هي من تسمح بانتشار ثقافة وأفكار غير عقلانية، أما من يتأثر ويصبح متطرفا هذا ليس مرتبطا بالأمية أو بعدمها. هي عوامل أخرى مرتبطة بالتوجه العام الذي لا يملك مستوى معينا من الوعي يقابل الوقت الزمني، فنحن الآن في هذه الفترة ينبغي أن نتساءل ما الذي يجب علينا أن نقوم به؟ هذا التصور هو الذي لم نتوصل إليه بعد والذي نحن بحاجة إليه.
-تحدثتم عن الوعي، الأمية… هل تظنون أن تغيير المناهج الدراسية لمادة التربية الإسلامية هو الطريق السليم لتجاوز مسألة التطرف؟
المدرسة عامل أساسي لتكوين المواطن والوعي الاجتماعي، سواء من الجانب الديني أو غيره. والمدرسة هي المكان التي يتكون فيها الفرد ويتلقى ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه ليندمج فيه أيضا. والإصلاح ينطلق من المدرسة أولا.
كما أن العوامل الاجتماعية كلها تساهم في تكوين الفرد. فلا يمكن القول إن المدرسة لوحدها هي المسؤولة عن ذلك وإصلاحها كاف، أو خطبة الجمعة كافية بتغيير الخلل. لأن الفرد يتكون بالاحتكاك مع عدد من جوانب الحياة الاجتماعية وبالتالي يجب أخذها كلها بعين الاعتبار مادامت تؤثر على الفرد.
أما بالنسبة إلى آيات "القتال" أو "الجهاد" فهي مسائل جزئية ومرتبطة بطريقة التدريس وكيفية تفسيرها والتركيز عليها والأمر مرتبط بتكوين التلميذ التي تخلق منه مواطن الغد.
-لكن كيف تم الانحراف من مفهوم الجهاد إلى مفهوم القتال، خاصة عند الجماعات المتطرفة؟
المشكل في تعدد التوجهات وغياب الحكم الذي يمكن أن نحتكم إليه، ليحدد لنا ما يتوجب فعله في الوقت الذي نحتاج له…
ماذا تقصدون بالحكم؟
الحكم هي المؤسسات الدستورية التي يلجأ إليها المجتمع في حالة الخلاف بين الأفراد.
-البعض يظن أن المؤسسات يمكن أن تضيق على الرأي الآخر، وبأن الإسلام فيه اجتهاد وتعدد وبالتالي من غير الممكن حصر الأمر في مؤسسة معينة؟
لكن يجب أن نفكر في نتائج عدم حصر مثل هذه القضايا في مؤسسة بعينها، أي ما الذي سينتج عن غياب الحصر؟ وهذه هي النتيجة التي وصلنا إليها الآن: نتقاتل والجميع يظن نفسه على صواب. المسألة يجب أن تدرس دراسة فكرية وعقلانية.
يتبع