الخبر من زاوية أخرى

العدالة في المغرب.. ميزان مختل

المصطفى الرميدالمصطفى الرميد


  عاش المغرب مؤخرا نقاشا قانونيا ودستوريا قويا حول موضوع استقلال القضاء، وتلاه موضوع آخر يتعلق باستقلالية النيابة العامة عن استقلال القضاء، فأصبحت تتوالد "الاستقلاليات" في اتجاه لا نعرف أين سينتهي وأين سيقف.

  وأصبحنا في جميع الأحوال أمام واقع مرتبك، فهناك استقلالية للسلطة القضائية لا نختلف حولها، وهناك استقلال جهاز من السلطة القضائية عن هذه السلطة القضائية نفسها، وهذا نختلف حوله، بل نختلف حتى حول تسمية هذا الجهاز.

 وكنا نسمع الكثير من الأصوات التي كانت متحمسة لتلك الاستقلالية بدعوى إصلاح العدالة، غير أن هذه الأصوات سرعان ما سكتت وخفتت قبل أن تضمن استمرارية هذا الإصلاح إلى مداه الشمولي.

فلم يعد إصلاح العدالة من اهتمامها لإتمام الموضوع حتى النهاية، بحيث لم تحل مشاريع القوانين الأخرى الأساسية في ورش الإصلاح، سواء تعلق الأمر بمشروع القانون الجنائي أو بمشروع قانون المسطرة الجنائية أو بمشروع قانون المسطرة المدنية، أو حتى بقانون إصلاح مهنة المحاماة.

وذلك لكي يرقى هذا الإصلاح إلى مستوى ضمان حسن سير العدالة في ظل الأنظمة الجديدة للسلطة القضائية واستقلال النيابة العامة.

 غير أن ما نسجله بأسف هو أن الأنظمة الجديدة للسلطة القضائية أصبحت في واد، والقوانين المشار إليها أعلاه في واد آخر.

بل إن هذه الوضعية أصبحت تروق أولائك الذين لا يهمهم إصلاح العدالة ولكن يهمهم بالأساس استقلال السلطة القضائية، فهم يعتقدون -عن وهم- أنهم سيستقلون وظيفيا، في حين ستظل أعطاب العدالة على ما هي عليه إذا لم نعد وضع قوانين جديدة تضمن شروط المحاكمة العادلة، وتضمن التوازن بين النيابة العامة والمحامي، من خلال ضمان حقوق الدفاع واحترام ضمانات المحاكمة العادلة التي ينص عليها القانون والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

 لذلك فهذا التماطل الذي يهم إخراج تلك القوانين في نسختها الجديدة، يعتبر إخلالا ماسا بالاحترام الواجب للعدالة، وضربا في الصميم لقيام شروط المحاكمة العادلة، أما أولائك الذين ظلوا يرفعون حناجرهم مطالبين باستقلال القضاء بدعوى إصلاح العدالة، فقد ظهرت حقيقة مطالبهم، وظهر ما كان يهمهم بالأساس، حيث لم يكن همهم هو إصلاح العدالة، بقدر ما كان هدفهم هو خلق سلطة خارج المنطق وبعيدة عن توازن القوى، و عن توازن المؤسسات.

إن استقلالية السلطة القضائية لا قيمة لها إذا لم ترفق بقوانين أساسية، تضمن العدالة في تسييرها وفي حسن إدارتها وفي إحقاقها، على الأقل من الناحية القانونية.

 أما الواقع فيؤكد أن النزاهة والنظافة والجرأة وحسن تطبيق القانون هي قضايا لا ترتبط بالنص القانوني، ولكن ترتبط بالأخلاق وبقدرة المواطن في الدفاع عن العدالة كحق من حقوقه الأساسية.