حكم الردة والوزير الموريتاني
في موريتانيا هناك اليوم جدل حاد بين الحكومة وأطراف داخل المجتمع حول حكم الردة.
يتعلق الأمر بمدون موريتاني كان قد كتب مقالا يسخر فيه من الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، في معرض انتقاده التبريرات الدينية للتمييز والعنصرية في المجتمع الموريتاني، تم اعتقاله والحكم عليه بالإعدام بتهمة الردة عن الإسلام، ثم خفف القضاء الحكم من الإعدام إلى السجن المحدد عامين، لكن الحكم أثار غضب جزء من الشارع الموريتاني الذي خرج للتظاهر مطالبا بعدم التراجع عن حكم الإعدام.
ولامتصاص غضب الشارع قال وزير العدل الموريتاني، إبراهيم ولد داداه: "كل مسلم سواء كان رجلا أم امرأة يسخر أو يهين محمدا (صلى الله عليه وآله سلم) والملائكة سيواجه حكم الإعدام بدون أن يتم سؤاله عن التوبة، وسينفذ حكم الإعدام فيهم حتى لو تابوا".
القضية أصبحت سياسية إذن، فالقضاء الموريتاني قال كلمته، حين خفف الحكم من الإعدام إلى السجن المحدد المدة، لكن تظاهرات الشارع أعادت الملف إلى المداولة، لنصبح أمام وضعية معقدة: قضاء يتصرف باستقلالية، ثم شارع ينتفض، وحكومة تتدخل في سلطة القضاء لتعلن بأن حكم الإعدام لن يتم التراجع عنه، بضغط من الاحتجاجات.
إنها سلطة الشارع. والسؤال المطروح لم يعد استقلالية القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية، بل استقلاليته في مواجهة الشارع الغاضب.
ولكن القضية تتجاوز المستوى السياسي إلى المستوى الفقهي، ذلك أن رضوخ الحكومة إذا كان ذا طابع سياسي إلا أنه يؤسس لقاعدة فقهية جديدة غير مسبوقة في التعامل مع مسألة الردة عن الإسلام.
لو أن وزير العدل الموريتاني تحدث عن قرار الإعدام وعدم التراجع عنه، وبقي تحت سقف لغة القانون، لما كان للقضية هذا البعد، لكن أن يحشر الوزير في الموضوع مسألة الردة وتطبيق حكم الإعدام دون قبول توبة المدون المرتد، فها هنا الإشكالية.
المثير للانتباه أن هذه القضية تمر اليوم في صمت مطلق من لدن الفقهاء والعلماء في العالم الإسلامي، خاصة منهم أولئك الذين لديهم مواقف فقهية معتدلة ويدعون إلى تطوير الفقه الإسلامي وتكريس حق الحرية وحقوق الإنسان.
صحيح أن القضية تخص موريتانيا، ولا يمكن التدخل في شؤونها الداخلية، ولكن الموضوع ليس موضوعا قانونيا يخص القانون الموريتاني، بل هو موضوع فقهي يرتبط بالفقه الإسلامي في موريتانيا وفي غيرها.
فإذا طبقت الدولة حكم الإعدام بتهمة الردة، فإن هذا سينعكس على المسلمين كافة، لأن واحدة من التهم الموجهة إلى الإسلام اليوم هي أنه يعاقب بالقتل على الارتداد عن الدين، ويضيق على حريات الناس.
إن تصريحات وزير العدل الموريتاني تصريحات غريبة، إذا وضعناها تحت عدسة الفقه الإسلامي. هناك إجماع لدى الفقهاء على أن المرتد يستتاب أولا قبل إنزال العقوبة، ويوجد خلاف كبير بين الفقهاء حول مدة الاستتابة، فهناك من يقول إن الحد الأقصى للاستتابة ثلاثة أيام، لأن هذه مدة كافية حسب هؤلاء لعودة المرتد إلى الإسلام، وهناك من يرى أن المدة لا حد لها، إذ يمكن للمرتد أن يستتاب في كل مرة وأن تعطى له الفرصة بعد الفرصة لعله يرجع إلى دينه، لأن الفائدة ليست في إقامة الحد ولكن في هداية الناس.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قدم عليه رجل من قبل أبي موسى، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال: هل عندكم من مغربة خبر(أي هل هناك من خبر غريب تنقلونه إلي)؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ماذا فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال عمر – رضي الله عنه-: فهلا طبقتم عليه بيتا ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفا فاستبتموه لعله يتوب ويرجع إلى أمر الله، اللهم إني لم آمر ولم أحضر ولم أرض إذ بلغني.
هذا من حيث المبدأ، أن قتل المرتد في الفقه الإسلامي القديم لا يحصل إلا بعد إعطائه مهلة ثلاثة أيام أو أكثر.
ومع ذلك فالخلاف حول الردة خلاف طويل بين الفقهاء المعاصرين، إذ الأصل في الدين الحرية والاختيار، لا الإكراه والتشديد، والآية صريحة في أنه لا إكراه في الدين.
وقد ميز الفقهاء بين الردة السياسية والردة الدينية. الأولى تكون شقا لصف الجماعة وتآمرا على الدولة، فهي حق للجماعة، أما الثانية فهي حق شخصي بين العبد وربه، إن شاء آمن وإن شاء كفر، والمهم أن تسلم الجماعة من شروره.