رقص على إيقاعات محرضة على استهلاك “الحشيش” و”الطاسة”.. وهذه خلفيات الهروب “الكبير” نحو سبتة..
محزن جدا هذا الذي يقع في شمال البلد..
ومن ذا الذي لا يحزن وهو يرى أطفالا قاصرين وشبابا في عمر الزهور على أهبة الفرار من وطنهم ومستعدين أن يموتوا وسط مياه البحر بحثا عن حياة أفضل في أوطان أخرى؟!..
يقع هذا في وقت تحولت فيه مدينة أكادير، التي وصفها ملك البلاد ب”عاصمة الوسط الحقيقي للمغرب”، إلى مجرد “مرقص” جماعي على إيقاعات أغان محرضة للناشئة على استهلاك “الحشيش” وعلى “الطاسة” والتي لن تحل ربما ولو مشكل واحد من مشاكل الشباب المغاربة..
لماذا؟
لأن “الطاسة” تبقى حرية شخصية وحياة خاصة لكنها لم تكن أبدا، يوما ما، جزءا من برنامج سياسي لأي حزب من الأحزاب السياسية في العالم..
وأنا هنا لا أمارس أي وصاية على الأذواق الموسيقية والفنية للناس وللشباب لأن احترام هذه الأذواق واحترام أصحابها واجب..
وأنا ضد المس أو الاعتداء اللفظي على هذه الخصوصيات..
ومن حق الجميع أيضا أن يرقص على شاكلته..
لكن ما شاهدناه في أكادير ليس رقصا وليس حتى فرحا..
ما شاهدناه في أكادير هو “انقلاب” حقيقي في “العقيدة السياسية” لحزب عريق أنجب الكثير من النخب وأسسه صهر الراحل الحسن الثاني ولعب الكثير من الأدوار الوطنية في تاريخ المغرب..
أغلق هذا القوس وأعود سريعا إلى موضوعنا..
طبعا لا ينبغي أن نتعامل مع هذا “الهروب الكبير” من الوطن كما لو أن الأمر يتعلق بنزوات عابرة لشباب متهور وطائش ولم ينضج بعد..
كما لا ينبغي أن نتعامل أيضا مع هذا الحدث بتحاليل خالية من السياسة وتنسب كل عطب داخلي إلى “مؤامرة” دبرها عدو خارجي يريد شرا بالوطن..
لأنه حتى لو كانت فرضية “المؤامرة” الخارجية صحيحة.. فإن هذا لن يحل المأساة بقدر ما سيفاقم من تداعياتها لا غير..
ثم إن مقاطع الفيديوهات والمشاهد الحية، الآتية من مدينة الفنيدق ومن المعابر المؤدية إلى باب سبتة، تقول كل شيء عن حقيقة ما هو واقع على الأرض:
شباب “يائس” و”محطم” النفس و”محبط” وربما فقد الثقة في كل شيء من حوله..
وهذا هو الخطر بعينه لأن الناس لا تهاجر أوطانها بسبب الفقر ولكنها تفعل ذلك بسبب الفراغ..
وبسبب اليأس..
وبسبب القبح..
وبسبب فقدان الأمل..
وبسبب انسداد الأفق..
ورأيي أن الحل لا ينبغي أن يقتصر فقط على ترحيل هؤلاء الشباب إلى مدنهم وقراهم البعيدة لأنهم حتما سيعودون مرات أخرى إلى من حيث تم ترحيلهم..
والحقيقة أن هؤلاء الشباب حتى وإن كانوا “ضحايا” أو تم التغرير بهم بدعوات مضللة، فإنهم “ضحايا” في المقام الأول لسياسيات عمومية تقتل الأمل..
وتقتل الحلم..
وتقتل ربما كل شيء حي في هذا الوطن الجميل..