الخبر من زاوية أخرى

بوعيدة يكتب: من يجرأ على البوح

بوعيدة يكتب: من يجرأ على البوح
عبد الرحيم بوعيدةعبد الرحيم بوعيدة

نحتاج مع هذا الزلزال الذي ضرب بقوة إلى مساحات كبيرة من البوح، نحتاج أيضا إلى عيادات نفسية تُداوي أعطابنا وتنسينا لحظات عصيبة تخلينا فيها عن كل شيء من أجل أن نحيا فقط..لا المال الذي قال فيه الشاعر “سلاح لمن لا سلاح له” نفع، ولا الجاه ولا السلطة، تساوى كل البشر في ديمقراطية رهيبة عبر عنها أحد المتشردين بحكمة: “كل الناس تحولو في لحظة الى متشردي شوارع”..
كم هو قاس أن نجرب التشرد الذي يعيشه البعض كطقس يومي، كم يكفينا من الوقت لننسى أننا استيقظنا ذات يوم على مغرب آخر منسي من نشرات الأخبار، وحتى من أحوال الطقس..

مغرب جميل بنساءه ورجاله، قبيح بكل هذه اللامبالاة التي تعاملت معه كل الحكومات المتعاقبة..
مؤسف أن نتذكر هذا المغرب العميق في الإنتخابات فقط، حيث يصل جودنا وكرمنا وتُيسر الطرق والمنعرجات وبعدها يختفي كل شيء “الجود وأهله”..
لم يساورني قط الشك حتى قبل الزلزال المشؤوم أننا بلا حكومة ولا برلمان ولا أحزاب ولا نقابات ولا معارضة، لأني أدرك جيدًا حجم مسافات الفراغ التي تلوثت برائحة البنزين، حيث كل شيء يخدم كل شيء..
أكره أن نتحدث عن ما بعد الزلزال، فهذا المصطلح لم يعد يغريني.. كرهته بحجم ماكرهت الذين تحدثوا عن ما بعد كورونا، الذي تغير بعد كورونا هو أننا أقمنا حفلا لزواج بهيج بين المال والسياسة، والخلاصة يعرفها الجميع..
دفنا السياسة والسياسيين في مشهد سوريالي مُضحك ليحل محلهم رجال ونساء الأعمال وماتت السياسة والخطاب والتواصل، وحدها الرائحة تلك ظلت تزكم الأنوف.
الذين يتحدثون عن المغرب بكل فخر واعتزاز عليهم أن يدركو أنه وحده الشعار الخالد من كان هنا حيث الأزمة “الله، الوطن، الملك”، هكذا هي السمفونية التي ابهرت العالم وعزفت دون نشاز..
لن ينتهي البوح، فنحن بحاجة لتفريغ شحنات الخوف، لكننا لم نجد آليات التفريغ سوى أن نكتب لنرتاح، فجزء من إعلامنا غارق في تتبع التافهين، مُغرق هو أصلا في التفاهة وبعضه إبنٌ لذاك الزواج..

للصمت كلفة كما للديمقراطية تمامًا، وواهم من يعتقد أن مسار هذا الوطن مرتبط بشخص أو حُكومة، وحدهما الملك وشعبه من يؤثثان المشهد، وهم رمز الإستمرار ومعهم الجيش والدرك والأمن ورجال الوقاية المدنية والقوات المساعدة ووزارة الداخلية ورجال الميدان والباقي تفاصيل مغرقة في الخجل..
فمن لازال يشتم الرائحة، فإنها لازلت تزكم الأنوف!!!

د.عبد الرحيم بوعيدة
أستاذ جامعي