الخبر من زاوية أخرى

زهير داودي يكتب: دعم أوروبي وأممي لمبادرة الملك محمد السادس.. ماكرون يغازل المشاعر.. والمفوض شرقي يعرقل إفريقيا في معركة (كورونا)؟

Avatarزهير داودي


من المؤكد أن ردود الفعل العالمية المتتالية والإيجابية جداً، والمتفاعلة مع مضمون المبادرة الملكية الوجيهة والرامية للحد من انتشار جائحة (كورونا) في إفريقيا، تثلج الصدور وتزكي بعدها الخلاق وحسها التضامني الرفيع مع دول الجنوب، ويمكن تلخيص هذه الردود في ثلاث نقاط محورية:

أولاً: منظمة الأمم المتحدة عبرت صراحة عن مساندتها لخطة جلالة الملك محمد السادس، وشددت على أن المغرب قادر على دعم الأشقاء الأفارقة في المجال الصحي تفاديا لكارثة محتملة، والعمل على تحفيز آليات التعاون والتنسيق، وتوحيد الجهود بين بلدان القارة من أجل التكتل والوحدة والتضامن لتجاوز هذه الأزمة الوبائية والإستفادة من دروسها القاسية.

ثانياً: الإتحاد الأوروبي، الذي يعيش على إيقاع انقسامات حادة بسبب عجزه البين عن وضع خطة جماعية لصالح الدول الأعضاء في مواجهة خطر الجائحة، عبر عن ترحيبه ودعمه للمبادرة الملكية الشجاعة لمكافحة شراسة الفيروس والحد من آثاره الوخيمة على الأفارقة.

موقف صناع القرار في بروكسيل جسده أندريا كوتسولينو، رئيس بعثة الإتحاد الأوروبي للعلاقات مع دول المغرب العربي، في لقاء مباشر مع فضائية "الجزيرة مباشر" القطرية (الأحد 19 أبريل 200).

كوتسولينو، وهو أيضا نائب بارز في البرلمان الأوروبي، عبر عن هذا الموقف كما يلي: "بصفتي كرئيس لبعثة الإتحاد الأوروبي إلى بلدان المغرب العربي، أعبر عن إعجابي بمبادرة ملك المغرب محمد السادس لفائدة مختلف البلدان الإفريقية (…) من أجل وضع تعاون قوي لمواجهة جائحة كورونا. أقدر حق قدره ما يفعله المغرب الذي يحاول مع باقي دول الجنوب أن يضع إطاراً لمقاومة جائحة كورونا في إفريقيا".

ثالثاً: كل هذا الزخم الدولي المساند لروح مبادرة جلالة الملك قاد إلى إختيار المملكة، كممثلة للقارة السمراء، في التحالف الدولي للبحث عن حلول عملية وناجعة وآليات قوية للتعامل مع مختلف تداعيات "كورونا"، وهو التحالف الذي يضم 13 دولة بهدف تنسيق الجهود في قطاعات حيوية كالصحة والتجارة والتبادل الحر والسياحة، وتعميق النقاش والتبادل البناء بشأن أهم الإجراءات الإقتصادية والمالية التي ينبغي إتخاذها بغرض التقليل من حجم الخسائر المتوقعة.

وهكذا، فإن هذه المبادرة الملكية تضع هيئة الأمم المتحدة في موقف الداعم والمزكي، لتجد (المبادرة) طريقها سالكة نحو التجسيد العملي، وبالشكل اللائق واللازم، لمواجهة ناجعة لهذه الجائحة كما سبق وأن أوضحنا ذلك في مقالنا الأخير المنشور في موقع "آذار" بتاريخ 14 أبريل 2020 تحت عنوان: "زهير داودي يتساءل: لماذا لا تدعم الأمم المتحدة مبادرة الملك محمد السادس لمحاربة (كورونا) في إفريقيا؟".

– فيروس الفكر الإقصائي يعطل "مفوضية السلم والأمن الإفريقية"؟

قبل هيئة الأمم المتحدة، كان من الواجب على الإتحاد الإفريقي وخاصة "مفوضية السلم والأمن" التي يرأسها الجزائري إسماعيل شرقي منذ يناير 2013 وحتى الآن، وقبله مواطنه رمطان لعمامرة (من يناير 2008 إلى يناير 2013)، أن تعبر عن إنخراطها الكامل ومساندتها التلقائية لمبادرة أطلقها رجل دولة يؤكد، يوماً بعد يوم، إلتزامه بخدمة مصالح وقضايا قارته في الميدان، وإيمانه الصادق بمستقبل إفريقي مشرق.

مناسبة الحديث عن "مفوضية السلم والأمن" هذه، هو الواقع البئيس الذي تعيشه منذ سنوات طويلة وما أصبحت تعانيه من عراقيل حقيقية وانحسارات متتالية تكبلها بسبب الفكر الإقصائي والتخويني للدبلوماسيين الجزائريين الذين تدربوا على شيء واحد وهو معاكسة مصالح المغرب ودعم الكيانات الوهمية بإسم "تقرير مصير"، إذ أبانوا عن فشل ذريع في كل المهام الدولية التي أوكلت إليهم بدءا بالأخضر الإبراهيمي مرورا بإسماعيل شرقي… وصولا إلى رمطان لعمامرة، وزير الخارجية الأسبق، الذي رُفِضَ تعيينه في منصب "الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".

كان من المفروض أن تضطلع هذه المفوضية المهمة، التي تعتبر بمثابة "مجلس الأمن الإفريقي"، بدور تحقيق السلم والأمن في القارة وزرع ثقافة التضامن والتآزر والتعاضد والوحدة بين الشعوب والبلدان الإفريقية. لكن العقلية العدائية للعسكر الجزائري جعلت من هذه المفوضية الحساسة منصة لقصف الدول الجارة الشقيقة والصديقة، وزرع البلبلة والتفرقة، بدل إيجاد الحلول الموضوعية للمشاكل والأزمات الكبرى التي تواجهها الدول الأعضاء في الإتحاد.

ليس خافياً على أحد الخرجات المتغطرسة وغير المحسوبة للمفوض إسماعيل شرقي الذي حاول، مراراً وتكراراً، توريط مؤسسة الإتحاد الإفريقي في الصراعات الموكل لهيئة الأمم المتحدة معالجتها… إذ بات تدخل المفوض، سواء تعلق الأمر بفترة شرقي أو بمرحلة لعمامرة، يصب في اتجاه النفخ في الكيان الوهمي (جبهة البوليساريو)، ومحاولة فرضه ك"دولة ذات سيادة" بالوسائل والأساليب المعروفة من ترغيب وترهيب…

حان الوقت ليتخذ أعضاء الإتحاد الإفريقي القرار المنطقي والصائب بتنحية مثل هذه العقليات العدمية والإقصائية من هذه المفوضية الإستراتيجية، وتعويض المفوض الحالي الذي لا زالت المؤسسة العسكرية الجزائرية تُمْلِي عليه ما يجب أن يُخَطِّطَ له لمحاربة التواجد المغربي المسؤول والوازن في هذه المنظمة القارية التي استعادت حيويتها وتوهجها منذ عودة المملكة المغربية إلى حظيرتها، وإطلاقها لمبادرات خلاقة تدافع عن مصالح الأفارقة، وتدفع في اتجاه مراعاة المصالح القارية على حساب المصالح الشخصية الضيقة.

إن تواجد شخصية رزينة ومحنكة على رأس "مفوضية السلم والأمن" الإفريقية سيساهم، بدون أدنى شك، في تثمين مثل هذه المبادرات التي يطلقها جلالة الملك محمد السادس، والدفع بها إلى حيز التنفيذ الواسع والديناميكي، وإضفاء جو من الثقة والإيجابية في التعاطي مع مشاكل القارة وما أكثرها.

يجب أن لاَ يُفْهَمَ من هذا الإقتراح أننا نتحامل على الدبلوماسية الجزائرية وموظفيها، بل هو وصف موضوعي لفشل آلة "دبلوماسية" اشتغلت منذ إستقلال الجزائر بمنطق تسليم الحقائب المكتنزة بالدولار مقابل الإصطفاف وراء مناوراتها، وعملت بمنهجية حاقدة تركز على مناوئة ومعاكسة المصالح المغربية ومحاولة ضربها ليس فقط من خلال إنفاق موارد الشعب الجزائري على كيان وهمي منذ أزيد من أربعة عقود، بل بمحاولة "شيطنة" دولة شقيقة احتضنت قادتها في المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي، واعتبر ملكها المغفور له محمد الخامس أن إستقلال المغرب غير مكتمل بدون إستقلال للجزائر.

– "كورونا": ماكرون يغازل الأفارقة بمبادرة بلا روح؟

إن هذه الجائحة الوبائية العالمية إن كان لها فضل، فهو بالتأكيد التعرية التامة لهشاشة بعض الدول الغربية التي كان يُعْتَقَدُ أنها قوية وحاضنة مثل فرنسا التي خرج رئيسها إيمانويل ماكرون مؤخراً، وبعد فوات الأوان، ليتذكر أن هناك قارة إفريقية تحتاج لمن يساعدها في مواجهة خطورة (كورونا)؟!

ساكن "قصر الإليزيه" ارتجل، وبشكل مفاجئ، مبادرة قال إنها تمثل "جهداً مشتركاً بين أوروبا وإفريقيا للتغلب على الوباء معاً…"؟! لكن تحركه كان متأخراً بعد أن أطلق العاهل المغربي، وبمدة، مبادرته الإفريقية التي حظيت بالدعم والترحيب الواضحين من الأمم المتحدة، ومن الإتحاد الأوروبي، ومن مختلف الرؤساء والقادة الأفارقة والعالميين.

كثيرون من السياسيين والمحللين الفرنسيين والأوروبيين وصفوا "مبادرة" رئيس فرنسا ب"عديمة الجدوى"، وبأنها لا تعدو أن تكون "استعراضاً سياسياً وإعلامياً لدغدغة مشاعر الأفارقة في زمن الجائحة". وفي هذا المنحى، نعتقد أن هناك العديد من الأسئلة المشروعة التي يجب طرحها بخصوص مساحات الغموض والنقاط المجهولة في المبادرة، وعلى رأسها إلغاء ديون البلدان الإفريقية الذي وعد به ماكرون، فنحن لا نعرف كم هي القيمة الإجمالية التي سيشملها هذا الوعد بالإلغاء؟ ومتى سيتم التنفيذ؟

أكثر من ذلك، فقد جعل ماكرون من نفسه أضحوكة ومحط سخرية لاذعة من رواد الشبكة العنكبوتية في فرنسا وأوروبا وإفريقيا، وكلهم سخروا من تصريحاته واعتبروها غير ذات قيمة… وهذا في تقديرنا صحيح إلى حد كبير، فمن بين الديمقراطيات الغربية الكبرى، تعتبر السلطة التنفيذية الفرنسية واحدة من أكثر الدول تعرضاً لإنتقادات يومية مباشرة وصريحة من قبل مواطنيها على خلفية إدارتها المرتبكة لملف مكافحة الوباء القاتل.

لماذا هذه الظاهرة؟ كيف نفسر ذلك؟ وهل هناك خصوصية فرنسية؟

أولاً: هناك إخفاقات لا يمكن إنكارها. لا تزال الإختبارات لكشف الإصابات المؤكدة بالفيروس قليلة جداً مقارنة بألمانيا المجاورة، هذا إضافة إلى عدم كفاية مخزون الأقنعة الواقية؟!

ثانياً: توقعات الدولة، وعلى رأسها ماكرون، أعلى من أي مكان آخر في العالم. غير أن الفرق شاسع بين التوقعات الطموحة والإمكانيات المتاحة. ولذلك، كلما توقع الفرنسيون  أكثر من الدولة كلما زادت خيبة الأمل… ففي زمن "حرب" ماكرون على (كورونا)، أصبح الرأي العام الفرنسي أقل تسامحاً مع الأخطاء أو الترددات أو الإنتكاسات التي يكون مصدرها من حاز ثقة الناخبين ليكون الرجل المنقذ في أوقات الأزمات.

علامة من بين أمور أخرى: فرنسا هي واحدة من أكثر الدول تشاؤماً في العالم بشأن مستقبلها، وهذا درس بليغ من دروس وباء (كورونا) في بلد شعاره "الحرية، المساواة، الأخوة"؟

هذا الشعار يوجد الآن تحت ضغط شديد. ربما تكون هناك أيضا خلفية قديمة للغطرسة الفرنسية؛ أي الإعتقاد بالقوة العظيمة المتفوقة على الآخرين. هذا زمن ولى. وبالتالي، ستكون مجبراً على الإنصياع للواقع عندما يكون هناك شيء بسيط مفقود… كأقنعة واقية؟!

في اعتقادنا أن سعي فرنسا إلى تقديم الدعم لإفريقيا أمر جيد، بل هو أقل الأشياء في هذا التوقيت الحساس والصعب. ولكن يجب ألا نقلل من شأن الأفارقة؛ فهم قادرون على إتخاذ القرارات الصحيحة في الأوقات العصيبة والمصيرية، فمتى تتوقف هذه الروح الإستعمارية المغلفة بالتضامن الفرنسي؟

في مقابل تقريعهم لماكرون، ثمن الأفارقة (عبر مختلف منصات التواصل الإجتماعي) المبادرة الملكية، واعتبروها فرصة صادقة وسانحة لبناء أرضية صلبة للتضامن الإفريقي. وهنا، نُذَكِّرُ بمقترحنا الوارد في المقال السابق، حيث اقترحنا ضرورة إنشاء "المنظمة العالمية الإجتماعية" التي سيكون هدفها الأساس الرفع من المستوى المعيشي للشعوب ولا سيما في دول الجنوب.

لقد أبان التدبير المغربي العقلاني والحازم لأزمة الوباء، بما لا يدع مجالاً للشك، عن نجاعة السياسة الصناعية ممثلة في إستراتيجية "الإقلاع الصناعي" التي أمر بها جلالة الملك، حيث أصبح المغرب محط تنويه من منظمات دولية وسياسيين كبار من قبيل جان لوك ميلانشون، مؤسس حركة "فرنسا الأبية" وزعيم اليسار الراديكالي الفرنسي، الذي قال إن على "الدولة أن تفرض على شركات النسيج في فرنسا تصنيع الأقنعة الواقية، وعلى الرئيس ماكرون أن يستفيد من التجربة المغربية في هذا المجال".

في السياق ذاته، شنت مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف والمرشحة السابقة للرئاسيات الفرنسية، في برنامج تلفزيوني هجوماً حاداً على حكومة ماكرون بسبب أزمة قلة المواد الوقائية الضرورية للحد من تفشي الفيروس، متسائلة "كيف أن فرنسا الصناعية والمتقدمة أنتجت 8 ملايين من الأقنعة الواقية خلال أسبوع، بينما ينتج المغرب 5 ملايين قناع يوميا"، وهو ما يعني، بحسب تصريحها، أن المغرب يتعامل بطريقة جيدة مع أزمة (كورونا).

كما أن جرائد فرنسية كانت إلى الأمس القريب تهاجم المغرب، بدون وجه حق، مثل الأسبوعية الساخرة (لو كانار أنشينيه) التي أثنت بدورها على جهود الرباط الإستثنائية للتصدي للجائحة، وانتقدت بشدة سياسة باريس في معالجة الأزمة…

هي أمثلة على تنويه الجميع بجاهزية المغرب لرفع أي تحد صناعي كإنتاج الأقنعة الوقائية (إنتاج أزيد من 5 ملايين قناع يومياً)، وأجهزة التنفس الإصطناعي بما يضمن الإكتفاء الذاتي، والتصدير إلى دول الإتحاد الأوروبي وغيرها، ومساعدة الدول الشقيقة والصديقة.

ختاماً. نعتقد أن دروس جائحة (كورونا) لن تقف عند هذا المستوى، بل إن المقبل من الأيام سيلقن العالم دروساً جديدة.. ويعري الواقع أكثر من أي وقت مضى.. ويعيد تموقع الدول حسب حكامتها وجدية اختيارات قادتها في التعامل، في التوقيت الصحيح وبالحزم الضروري، مع المشاكل المحلية والإقليمية والدولية.. ويختبر فعلياً مدى جاهزية البلدان لمواجهة الأزمات الحادة والكوارث القاتلة.

وقديماً قيل: عند الإمتحان يعز المرء أو يهان.

 

*صحافي وباحث في العلاقات الدولية