الخبر من زاوية أخرى

عبد اللطيف وهبي يكتب: الاقتصاد ما بعد كورونا

المصطفى الرميدالمصطفى الرميد


حينما حلت بالعالم الأزمة المالية لسنة 2008، صرح آنذاك الملياردير والاقتصادي جورج سوروس؛ "إنها أزمة ناتجة عن خلل متأصل في النظام المالي" مما جعل العالم يتجه إلى استخدام الأدوات المالية والنقدية لإخراج الاقتصاد من أزمته.
 
وهكذا تم ضخ سيولة نقدية كبيرة في السوق المالي العالمي، لتخفت بعدها حدة الأزمة، غير أنها ظلت حاضرة في التحاليل الاقتصادية لما خلفته من ديون دولية وعجز في موازنات العديد من الدول، ووصفت بأنها أزمة ناتجة عن بنية النظام الرأسمالي في ظل العولمة.
 
أما اليوم، فأزمتنا الاقتصادية يعود فيها السبب إلى عنصر خارجي غير مالي، عبارة عن فيروس قاتل انتصر على الاقتصاد وعلى الفيروسات الالكترونية، وجعل المجتمع الدولي رهينة لقرارات اقتصادية ناتجة عن تهديدات هذا الفيروس لحياة الناس، فأدخل العالم بأسره في مرحلة كساد، ليدخل الاقتصاد الدولي في غيبوبة سريرية إجبارية، كنتيجة مباشرة لاختفاء العنصر البشري واحتمائه بالحجر الصحي، لتتوقف معه آلية الإنتاج، ثم عجلة الاقتصاد ككل، مقابل حركية جد محدودة في الاستهلاك.
 
وعلى إثر هذه الأزمة، سمحت الحكومات لنفسها بممارسة نوع من الإنفاق بتوفير السيولة من خلال سياسات الرعاية والدعم الاجتماعي والتعويض عن فقدان الشغل، مما سيؤثر على مديونية الدولة، فأصبحت الاقتصادات الوطنية أمام إكراه ارتفاع حجم المديونية، والزيادة القاسية في حجم البطالة.
 
كل ذلك في ظل اقتصاد منكمش، مما أدى عالميا إلى سقوط حوالي 500 مليون شخص في براثين الفقر، وأصبح شبح المجاعة يهدد 130 مليون شخص حسب المنظمة الدولية للتغذية والزراعة، الأمر الذي جعل بعض الاقتصاديين يخلصون إلى أن بعض المناطق في العالم ستعود 30 عاما إلى الوراء.
 
لذلك فإن أغلب الخيارات التي تبنتها الدول والشعوب لمواجهة هذا الوباء على المستوى الصحي والطبي اعتمدت أساسا على ما تتوفر عليه من افتراضات واحتمالات علمية في انتظار اكتشاف لقاح أو دواء.
 
وسيلي ذلك لا محالة شوط ثان على المستوى الاقتصادي، يتوقع جل الخبراء أنه سيكون الأعنف من نوعه، ويقدرون وصول حجم الانكماش الاقتصادي ما بين 10 و15 بالمائة عالميا، بل سيبلغ الانكماش الاقتصادي الأمريكي وحده نسبة 50 بالمائة، والانكماش الأوربي يتوقع أن يبلغ في الربع الأول من هذه السنة حوالي 15 بالمائة، وسيزداد حجم الديون ليبلغ حجما كبيرا يتسم بالخطورة، بما فيها ديون الدولة أو الشركات أو الأسر أو الأفراد.
 
مقابل ذلك ستزداد حركية الإنتاج تراجعا، ليدخل الوضع الاقتصادي الدولي في أزمة مالية واقتصادية يتوقع أن تمتد إلى السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة.
 
إن الكثير من الدول، ومنها المغرب ستكون لا محالة بعد الأزمة في مواجهة وضع اقتصادي دولي وجهوي جد معقد، إذ سيعرف الاقتصاد الوطني ضعفا في الطلب الكلي وتدهورا في توزيع الدخل، وانخفاضا في الاستثمارات الخارجية التي يتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية تراجعها بنسبة 40 بالمائة،
 
لذلك يؤكد أغلب علماء الاقتصاد اليوم بأن مناطق متعددة من العالم ستعرف هزات اجتماعية عنيفة، وتحولات كبيرة، بل يتوقع أحد الاقتصاديين أن ما سيعرفه العالم مستقبلا من انكماش اقتصادي لم يعرفه منذ 100 سنة خلت.
 
 ذلك أن الدول ستسعى إلى الحصول على المزيد من الديون الدولية لتحريك عجلة الاقتصاد، وستصطدم بعجز مالي كبير بدأت مؤشراته تظهر من الآن، منها ارتفاع حجم الدين العالمي الذي يبلغ حاليا أكثر من 322 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي بما يقارب 235 تريليون دولار.  
 
وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي الدولي المعقد والمتأزم، فإنه علينا كمغاربة أن نكون يقظين ومستعدين جيدا لما بعد أزمة كورونا، ليس فقط لأسباب اقتصادية محلية فحسب.
 
ولكن كذلك بسبب تأثيرات أزمة المحيط الدولي علينا، و الذي سيحكمه شعور اقتصادي جديد، سيسعى بدون شك نحو وضع حدود اقتصادية جديدة، لتتحول في ظله بعض الصناعات الضرورية في الحفاظ على مستوى متطلبات العيش، إلى صناعات من مستوى سيادة الدولة، كالصناعات المرتبطة بالقطاع الصحي والطبي وكل ما هو أساسي في استهلاكنا اليومي.
 
إن هذه الأزمة أبانت على أن الطاقات الذكية والإمكانيات الاقتصادية الذاتية والمحلية والقدرة على اتخاذ القرار، هي وحدها الكفيلة بحماية كل دولة على حدة.
 
لذلك، وكيفما كان وضعنا اتجاه هذه الأزمة العالمية، فإن الحكمة تقتضي أن نعيد النظر في اقتصادنا لنكون منتجين لحاجياتنا الأساسية، وأن نجتهد بنوع من التفكير الجماعي والحس الوطني لإخراج المغرب من نفق اقتصادي مهدد به مستقبلا، بسبب القرارات الضرورية الناتجة عن مواجهة انتشار هذا الوباء وخاصة ما سيترتب عنها اقتصاديا.
 
وفي هذا السياق، وتعزيزا لما قامت به بلادنا من جهود وإجراءات وقرارات استثنائية لمواجهة هذه الجائحة، بإحداث صندوق خاص لمواجهة آثار جائحة كورونا، وإجراءات تقديم الدعم والمساعدات للمقاولات وللأسر والأفراد المتضررين، وغيرها من القرارات التي لقيت إشادة واستحسان دوليين. نقول إنه على الدولة أن تعود مستقبلا إلى السوق الوطنية، من أجل إعادة خلق الشركات الوطنية، وإعادة تأسيس نظام القطاع العام، والاستمرار في مساندة ودعم الشركات من القطاع الخاص ماليا وإداريا.
 
 ولابد كذلك من توجه الدولة نحو المزيد من دعم القطاع الفلاحي وتوجيهه نحو السوق الداخلية بالأسبقية والأولوية، ودعم مختلف وسائل الإنتاج، الأمر الذي سيمنحنا نوعا من الاستقلالية الاقتصادية والصحية والغذائية، وسيضمن لنا تأمينا اقتصاديا في ظل عالم بدا من خلال الوباء عالم واهن لا يملك القدرة حتى على مواجهة مفاجأة الطبيعة.