إدريس الكنبوري يكتب: ليس دفاعا على الفايد
اعتقد البعض أن التدوينة التي كتبتها أمس كانت دفاعا على الدكتور محمد الفايد. لم يفقهوا قولي:{لا أتابعه ولا يعني لي شيئا كثيرا، لكنه كموقف وكرأي وكخبير في مجاله، له كامل الحق في أن يستفيد من مناخ الحرية في بلدنا}.
وأنا لست مسؤولا على الفهم السيء، لكني مسؤول على حسن البيان، وبعدها لكل واحد الحق في أن يفهم ما يريد، أو ما يستطيع، وفوق جهدك لا تلام. وأنا هنا أتحدث عن أصحاب النوايا الحسنة، أما أصحاب النوايا السيئة الذين يبحثون في كلامي عما يهاجمونني به فهؤلاء لا كلام معهم، فأنا لست مربيا.
بالنسبة لي الدكتور الفايد له أمور كثيرة غير مقبولة عندما يخرج من مجال التغذية والصحة والتداوي (لن أقول الطب، ولكن الطب: التداوي)، ويتطرق إلى أمور بعيدة عن تخصصه أو ثقافته، كما رأيت في بعض المقاطع.
ولكن مهما كان الأمر فهذا ليس مهما بالنسبة لي، لأنني لم أدافع عنه كشخص أو كخبير ـ وقد قلت ذلك في التدوينة السابقة ـ بل دافعت عن مبدأ، وهو حقه في الكلام، وهاجمت مبدأ مضادا، وهو الإقصاء والحقد والشللية. وأنا أعني ما أعنيه لمن يفهم، فأما من يقرأ ويعلق ثم يمشي غير مهتم فهذا غير مقصود عندي. بل نحن مهتمون، ولدينا هم، ولن نمشي.
لو كان الذين قادوا الحملة، ولديهم فيها منافع، من الأطباء مثلا، كنا قلنا: هؤلاء أهل اختصاص. حتى وإن كان ذلك لا يبيح السكوت، لأن هناك من نساء البوادي العجائز ما يعرفن في التداوي الأعاجيب. ولكن لما نظرنا وجدنا أن الذين قادوا الحملة ولديهم فيها منافع هم الذين تجدهم في كل مكان وفي أي معركة، يعترضون المارة ويسيئون الأدب ولا يريد أن يمر أحد بالدرب، فهم قطاع طريق.
فهؤلاء يصنعون الحملة، ثم يأتي جماعة من المتفرجين الذين ينقسمون في آرائهم، فيعتقدون أنهم معنيون بينما هو مجرد متفرجين تم توظيفهم وهم لا يشعرون. ومنهم من يتطوع فيهاجمك في سبيل الله، حتى إذا سألته عن مصدر الحملة وهدفها، بُهت.
أما فيما يتعلق بالتداوي وما إليه مما قد يخوض فيه الفايد، فهذا أمر معروف ومشاع. لقد مات الناس بالطب وماتوا بالتداوي الشعبي، وعاش الناس بالطب وعاشوا بالتداوي الشعبي.
وهنا أطباء هم أنفسهم يلجأون إلى الأساليب غير الطبية للعلاج أحيانا ـ نقول غير الطبية بمعنى الطب الحديث الذي فيه طرفان، الطبيب والصيدلي ـ وقد حصل لي شخصيا هذا الأمر، فقد كانت قريبة لي ستجري عملية بسبب ما يسمى التهاب الجيوب sinusite.
أجرت التحاليل التي طلبت منها وأخذت موعدا لإجراء العملية، وفي اليوم المحدد صودف أن الطبيب الذي كان سيجري العملية تغيب، وكان مكانه طبيب آخر، وعندما اطلع على التقرير قال: هذا لا يتطلب عملية، فقط تناول "البيصارة". هذه واقعة عشتها بنفسي.
وقبل سنوات كانت هناك خبيرة لبنانية في التغذية إسمها مريم نور، عرفها المغاربة في التلفزيون قبل أن يظهر الفايد. ومريم نور تخلط في حديثها بين الأعشاب والطب والنفس والرياضة والدين بل بين الإسلام والمسيحية وتخوض في كل شيء، ولم يقل أحد عنها شيئا، ولم يهاجمها أحد في لبنان وخارج لبنان، بل إن جميع التلفزيونات العربية كانت تبث برنامجها وتستضيفها، وكان منها التلفزيون المغربي في التسعينات.
وما زالت هذه المرة عائشة إلى اليوم وتتحدث في التلفزيون.
وشاهدت لها مقاطع تقول فيها إن هناك علاقة في العلاج بين النفس والبدن، وإن إلقاء السلام على الناس فيه شفاء، وحسن الجوار فيه شفاء، والصبر على الأذى لوجه الله في شفاء. فهلا نسخر من هذه العجوز؟
نعم، الطب الحديث تقدم كثيرا وقضى على مجموعة من الأمراض التي حيرت البشرية على بساطتها، وهذا من فضل الله سبحانه، ولكن الطب الشعبي لا زال قويا وسيكون البديل القادم في أمراض كثيرة. وحتى من الناحية التاريخية، الطب الشعبي وراءه ملايين السنين، ولكن الطب الحديث لم يكمل بعد المائة عام.
الواجب بالحقيقة أن نتحمل كلنا الاختلاف. هذه الحقيقة، فالاختلاف مؤلم والحق مر. وليس الاختلاف أن ترى وتسمع ما يسرك، فهذا ائتلاف لا اختلاف،
لكن الاختلاف أن تسمع ما لا يسرك بل وما يقلق، ومع ذلك ترضى بالاختلاف، وتدرك بأنك إن كنت تألم فإنهم يألمون كما تألم.
ولذلك قال فولتير: {قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك}.
وطبعا فولتير قال هذا عن أبناء قومه فحسب، لأنه كان وطنيا، أما نحن فندمر بلدنا بالتناطح بين الأكباش.