الخبر من زاوية أخرى

حسن لعروسي يكتب: المغرب.. الترافع والتدافع السياسي في زمن كورونا

Avatarحسن لعروسي


مواجهة المغرب لجائحة كورونا كانت حازمة منذ البداية. بقيادة فعلية من الملك محمد السادس، تم بسرعة، وفي الأيام الأولى لانتشار الوباء، إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، وفرض الحجر الصحي، ووضع صندوق خاص لمواجهة تداعيات الجائحة الاقتصادية والاجتماعية. التدخل السريع جعل المنظومة الصحية في منأى عن الضغط الذي شهدته دول لم تأخذ قرارات الحجر في وقتها. النتيجة في المغرب هي تطور شبه متحكم فيه على مستوى الإصابات، وارتفاع في عدد المعافين واستقرار (وربما انخفاض) في عدد الوفيات. من المنتظر أن يمر المغرب في غضون ثلاثة أو أربعة أسابيع إلى رفع تدريجي للحجر مع تبني إجراءات صارمة فيما يخص "العزل الاجتماعي" والفحص وارتداء الكمامات لمن يسمح لهم بالخروج وعلى مستوى المرافق التي سيتم إعادة فتحها. 

هناك إجماع من طرف جميع القوى السياسية والرأي العام على نجاعة المقاربة المغربية. ولكن هذا الإجماع يرافقه كذلك نقاش سياسي واقتصادي يتحول في بعض الأحيان إلى تراشق وتدافع سياسي بين الفرقاء وحتى بين مكونات الحكومة. من الطبيعي أن تعبر فرق المعارضة أو البرلمان عن آراء سياسية ولكن خروج أحزاب مكونة للأغلبية الحكومية للعلن للتعبير عن رأي لها مغاير للتوجه الحكومي دون محاولة التأثير على هذا التوجه الحكومي من الداخل خلق لُبْساً لدى الرأي العام وجدلاً يراه البعض صحيًا ويراه البعض الآخر صخبًا الساحة السياسية في غنى عنه خصوصًا في زمن الأزمة. 

موقف حزب الاستقلال (معارضة)، أقدم الأحزاب السياسية المغربية، والذي عبر عنه أمينه العام، الدكتور نزار بركة، ولجنته التنفيذية، وكذا برلمانيوه في لجنتي المالية بالبرلمان (بلاغ اللجنة التنفيذية ل 14 أبريل/نيسان 2020؛ لحسن حداد، "على الأبناك القيام بدورها في دعم المقاولة،" تيل كيل، 16 أبريل/نيسان 2020) كان هو دعم جهود الحكومة في الاقتراض على المستوى الدولي والدعوة إلى وضع قانون مالية جديد لإعادة تحديد الأولويات من حيث الإنفاق (دون وقف الإنفاق كليةً) و "وضع برنامج أوراش كبرى على المستوى الوطني لخلق ملايين من أيام العمل" (موقع تويتر الدكتور نزار بركة) بعد رفع الحجر. موقف حزب الاستقلال ينسجم مع توجهاته الاجتماعية التاريخية ومع قراءته الأولى للوضع الحالي: ترشيد وتركيز الإنفاق دون إيقافه، ضخ السيولة في الاقتصاد، الرفع من الطلب الداخلي، والدفع إلى الأمام بالأفضلية الوطنية وترشيد الاستيراد للحفاظ على احتياط العملة الصعبة. حزب الاستقلال يرى أنه لا بديل عن "زيغ" ولو مؤقت عن التوازنات الماكرواقتصادية والعمل على الرجوع إليها في غضون سنوات قليلة (وبتوافق مع المؤسسات الدولية). 

من جانبه حزب الأصالة والمعاصرة (معارضة) ركز، وعلى لسان أمينه العام الجديد، الأستاذ عبد اللطيف وهبي، على ضرورة وحدة الصف في زمن كورونا، وعلى القيام "بتضحيات وتوافقات من أجل مواجهة آثار كورونا فضلا عن توجيهه دعوات إلى أغنياء حزبه من أجل المساهمة في صندوق مواجهة داء كورونا" (بلال التليدي، "المغرب وصراع السياسة ما بعد كورونا؟"، القدس العربي، 16 مارس/آذار، 2020). الأستاذ عبد اللطيف وهبي بدا مهتمًا أكثر بما سيحصل بعد مرور كورونا، وبطبيعة النموذج الذي يجب اعتماده لمواجهة التغيرات العميقة التي تنتظر المغرب والعالم: "فاليوم …نستنتج حقيقة تفرض نفسها علينا بقوة، وهي أن العالم الذي كنا نعتقد أن عولمته تجمعنا وتسهل العيش بين شعوبه مجرد وهم." لهذا يدعو إلى مبدأ أساسي هو الاعتماد على الذات كأساس لمواجهة ثقل الجائحة وما بعدها (عبد اللطيف وهبي، "أولوياتنا بعد جائحة كورونا"، موقع آذار، 29 مارس/آذار، 2020). 

في المغرب يُنتظَرُ عادةً من الأحزاب المكونة للأغلبية، وخصوصا وزراءها، أن يتخذوا قرارات لا أن يُصرِّفوا مواقف. المواقف المعبر عنها من طرف المعارضة والبرلمان والرأي العام تُعْتَبَرُ أصلا موجهة للحكومة، يعني أنها عبارة عن ترافع من أجل حث الحكومة على اتخاذ قرارات معينة. لهذا يتساءل الرأي العام المغربي عن سبب خرجات أحزاب الأغلبية الإعلامية وهي في الحكومة. حين ينشر أعضاء الحكومة  مقالات أو تدوينات يحثون فيها الحكومة على اتخاذ قرارات معينة فهذا يخلق الغموض: أمام من يترافعون؟ لمن يقدمون هذه النصائح؟ هل للحكومة وهم جزء منها أم لجهات أخرى غير معلومة؟ 

 السيد عزيز أخنوش مثلا وزير الفلاحة والصيد البحري في الحكومة المغربية وفي مقال مطول تم نشره في عدة صحف بالعربية والفرنسية يدعو الحكومة إلى تسريع وتيرة الإنفاق والابتعاد عن أي سياسة للتقشف وإطلاق العنان للقروض والتمويلات لإعطاء دفعة للاقتصاد. هذا ما قاله حزب الاستقلال منذ البداية والذي طالب الحكومة باعتماد مقاربة نيو كينزية  تعتمد على الإنفاق وضخ السيولة وإعطاء قروض بدون فوائد وإرجاء التسديدات حول القروض الجارية مع التأكيد على ضرورة الرجوع إلى التوازنات لا حقاً. عوض مناقشة موقف حزب الاستقلال في مجلس حكومي وحث الحكومة على تبنيه، نسخ السيد عزيز أخنوش رأي الحزب المعارض وأعاد نشره مفصلا فيه ومستفيضًا في حيثياته ("مرحلة جديدة .. هذه رؤية عزيز أخنوش لمغرب ما بعد جائحة 'كورونا'"، هيسبريس، الاثنين 13 أبريل 2020 ). وهذا ما أدى إلى نوع من البلبلة لأن مكونا من الحكومة يطالب الحكومة علنا بتبني مقاربة دعم الإنفاق، بينما المطلوب منه الفعل لا القول، اتخاذ القرارات لا تبني المواقف. هذا في وقت  يوجد فيه حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي يرأسه السيد عزيز أخنوش في قلب مواجهة الجائحة حيث يدير وزراؤه العديد من القطاعات المهتمة مباشرة بتدبير الأزمة مثل الاقتصاد والمالية، والصناعة والتجارة، والفلاحة والصيد البحري، والسياحة والصناعة التقليدية. 

 ما أضافه السيد عزيز أخنوش إلى موقف حزب الاستقلال هو القول بضرورة الابتعاد عن التوازنات الماكرواقتصادية بشكل لا رجعة فيه. وهو ما أثار حفيظة السيد إدريس الأزمي الإدريسي، وزير الميزانية السابق ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (الذي يقود الأغلبية) وعمدة مدينة فاس، والذي أكد في مقال مطول   (“لا تقشف ولا إفراط، بل تضامن ومسؤولية واعتدال” تيل كيل، 16 أبريل/نيسان، 2020 وموقع آذار، 17 أبريل/نيسان، 2020) أن التوازنات منصوص عليها في الفصل 77 من الدستور المغربي وفي  المادة 20 من القانون التنظيمي للمالية. والدول التي تبنت مقاربة شاملة تتوخى الإنفاق الشامل، يضيف السيد الأزمي، لها من القدرة والقوة والجاذبية، عكس المغرب، على استرجاع عافيتها الماكرواقتصادية بسرعة. لهذا يؤكد على ضرورة التحلي بالمسؤولية وهو حكم مضمر على أطروحة  السيد أخنوش بأنها فيها نوع من التهور والاستهتار بالمكتسبات. 

بين ترافع المعارضة وتدافع أحزاب الأغلبية، يبقى النقاش السياسي حول الأزمة وتداعياتها مع ذلك محط اهتمام كبير من الرأي العام. وما يغني هذا النقاش هو دخول المثقفين ورجال ونساء الجامعة والمجتمع المدني والخبراء ورواد الأعمال والقطاع الخاص على الخط، حيث نجد زخما لا بأس به من خطط رفع الحجر وإجراءات إعطاء انطلاقة جديدة للاقتصاد وحماية المقاولات ومساعدة الفقراء وحماية القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة. ما يجب أن يصب عليه النقاش حاليًا هو بلورة تصور جديد للنموذج الاقتصادي المغربي، وهذا ما دفع بأحزاب مثل الاستقلال والأصالة والمعاصرة وأصوات من أحزاب من الأغلبية والمعارضة الدعوة إلى إعادة بلورة التصور الأولي حول النموذج التنموي المنتظر صياغته من طرف اللجنة المعينة من طرف الملك محمد السادس لهذا الغرض وذلك على ضوء طاريء جائحة كورونا.