طبيح يكتب: العفو في النظام الدستوري والقانوني
قال أحد الفلاسفة عن العفو, لا أذكر اين قرأت ذلك:
إذا كان العفو عادلا فالقانون سيء. وإذا كان القانون عادلا فالعفو هو انتهاك للقانون.
في الحالة الأولى يجب إلغاء القانون وفي الحالة الثانية يجب استبعاد العفو.
غير انه عندما نغادر عالم و فضاء بعض الآراء الفلسفية ونتلمس بأيدينا الواقع المعيش الذي يحيط بنا, يمكن ان نقول عن العفو بانه:
تلك الرحمة التي تأتي من دون ان ينتظرها القابع في السجن الذي اخرجه المجتمع مع بين افراده بسبب جرم ارتكبه. فهو بريق الضوء الذي يخترق فجأة ظلمة الزمن. بدون موعد وبالخصوص بدون وسيط.
فالعفو بهذا المعني هو خط تواصل مباشر بين من يمنحه وبين من يستفيد منه.
***** ******
يقدم العفو في جل دساتير الدول الديمقراطية الحديثة كحق "prérogative " لرئيس الدولة, وليس لا كسلطة ولا إمكانية ولا كالتزام. ويعرف بعض الفقهاء مصطلح " Prérogative " ب:
PREROGATIVE DEFINITION
Dictionnaire juridique
Une prérogative est un privilège ou un avantage lié à une fonction ou à une situation définie par la Loi, par un acte règlementaire ou par une convention.
فالعفو بهذا المفهوم يطرح على من يريد البحث فيه إشكالات مركبة تتجاوز آثارها الافراج على محكوم عليه من السجن كيف ما كانت العقوبة التي أوقف تنفيذها ذلك العفو.
ولكن لإزاحة نوع من الغبار الذي قد يضبب علينا الصورة عند نتناول هذا الموضوع ذو الطبيعة الخاصة ولكي نتفق منذ البدء على الموضوع الذي نتكلم عليه من جهة. وأن الذي نتكلم عليه يخرج عن المنطق القانوني الحرفي من جهة أخرى. من المفيد أن نستحضر وذكر بما يلي:
أن دولة كإسكوتلاندا التابعة للمملكة البريطانية أم الملكيات البرلمانية التي تعيش بدستور غير مكتوب والتي تعرف فصلا للسلط يكاد يكون جامدا، هي نفسها التي افرجت على المكراحي المسؤول الليبي الذي أدين من أجل إسقاط طائرة فوق سمائها وتوفي على اثرها ما يقرب من 270 شخصا من جنسيات مختلفة.
الغرض من هذا المثال هو إبراز ان السلطة السياسية هي التي الغت و اوقفت العقوبة التي قررتها السلطة القضائية , في جريمة صعبة على الشعب الاسكتلندي و على كل ضحاياها.
هذا الإفراج الذي قررته مثل تلك الدولة , لا يهمنا اليوم خلفياته او عن طبيعة النظام السياسي في تلك الدولة ، بل بالعكس من ذلك , من شانه ان يساعدنا على فهم أعمق للعفو كحق prérogative في بلادنا.
فلمقاربة العفو في النظام القانوني المغربي تحضر امامنا محددات تفرض نفسها في البحث , محددات في الزمن, و محددات في السياق السياسي الذي عرفته مؤسسة العفو في المغرب, ومحددات في النظام الدستوري و القانوني للعفو في المغرب.
لذا، سنحاول مقاربة مؤسسة العفو بتناول هذه المحددات الثلاثة في مقابلة, جهد الإمكان, مع القانون الدولي المقارن لنرصد مدى الاختلاف والتشابه أو حتى التطابق للوضع الدستوري والقانوني للعفو في الدول الديمقراطية مع ما هو عليه الحال في المغرب.
بخصوص المحددات في الزمن
البحث في النظام الدستوري , و لا أقول القانون الدستوري, و النظام القانوني المتعلق بمؤسسة العفو في المغرب لا يمكن أن يخرج عن وثيقتين تحدد كل منهما بداية للتأريخ القانوني لمؤسسة العفو من جهة، وتحدد التطور لمفهوم العفو من جهة أخرى.
.
الوثيقة الأولى وهي الظهير رقم 1.57.387 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 21/2/1958 وهو بالمناسبة الوثيقة التي يمكن اعتمادها , حسب علمي , في البحث و التحليل , بعدما ألغى هذا الظهير ظهير أخر سابق له صدر في 19/4/1956 كان يتعلق بإحداث لجنة كانت تسمى " لجنة لمراجعة الأحكام الجنائية والعفو".
وتعتبر هذه الوثيقة , أي ظهير387/57/1 , محددة من محددات الزمن لأننا لا ننظر إليها فقط من جانب الشكل , أي جانب كون الأمر يتعلق بظهير ينظم العفو، وإنما ننظر إليها بكونها وثيقة تحمل الأسس ذات الطبيعة المؤسسية للعفو كحق للملك مثله مثل كل رؤساء الدول سواء كانوا ملوكا او رؤساء جمهوريات. وهي الأسس التي نجدها في جل دساتير الدول الديموقراطية الحديثة اليوم.
الوثيقة الثانية هي بلاغ الديوان الملكي في فقرته الاخيرة المعلن عنه في 03/08/2013 والذي ورد فيه أن جلالة الملك سيعطى التعليمات لوزارة العدل من أجل اقتراح إجراءات من شأنها تقنين شروط منح العفو في مختلف مراحله ……..







