الخبر من زاوية أخرى

السند الدستوري لفرض حالة الطوارئ الصحية بالمغرب

Avatarإدريس العضراوي


تفاعلا مع سرعة انتشار وباء كرونا المستجد بالمغرب، سارعت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية يوم الجمعة المصادف لتاريخ 20 مارس2020 على الساعة السادسة مساءا إلى غاية 20 أبريل من نفس السنة، بهدف تقييد حركة تنقل المواطنين في كل أرجاء التراب الوطني حفاظا على صحتهم وسلامتهم، واقتصر الإعلان على كون الأمر يتعلق بحالة طوارئ صحية دون الإشارة إلى السند الدستوري والقانوني لهذا القرار، مما أثر جدال واسع حول دستورية وقانونية هذا الإجراء.                                                                                  .                                    

مما لا شك فيه  فإن الأصل في الدولة أن تعيش بصورة دائمة في حالة من الاستقرار العام تنظمها وتحكم علاقتها مجموعة من القواعد الدستورية والقانونية، واستثناء من هذا الأصل قد تتعرض الدولة في بعض الأحيان لأخطار تصبح القواعد العادية عاجزة عن مواجهتها، ويصبح من الضروري إدراج قواعد استثنائية، كما هو الحال في حالة الطوارئ الصحية، التي تحيل على ذلك النظام الاستثنائي المحدد في الزمان تعلنه الحكومة لمواجهة ظروف صحية طارئة تهدد البلاد والعباد، وذلك باتخاذ تدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط محددة إلى حين زوال التهديد.

ولعل النقاش الحالي حول دستورية وقانونية إقرار حالة الطوارئ الصحية مرده إلى غياب نص دستوري ينص على هذا القرار الاستثنائي، واكتفى الفصل 49 من دستور 2011بذكر القضايا التي يتداول فيها المجلس الوزاري التي تشمل إعلان حالة الحصار دون تحديد تعريف مسبق له، فيما اكتفى الفصل 74 منه بالتنصيص على إمكانية إعلان حالة الحصار لمدة 30 يوما بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة ولا تمدد إلا بقانون.

وبقراءة متأنية لفصول الوثيقة الدستورية نجدها تحمل في طياتها فصولا التي تحيل وتعطي الشرعية للسلطات العمومية الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية التزاما منها بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها في حماية الحق في الحياة والسلامة الجسدية والشخصية لمواطنيها.

وفي هذا الإطار نصت المادة 20 من دستور 2011 على أن " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق " باعتبار الحق في الحياة هو أسمى الحقوق الإنسانية على الإطلاق، فهو الحق الطبيعي الأول للإنسان والشرط البديهي والأساسي للتمتع بسائر الحقوق.

وعلى هذا الأساس اعتبر المشرع الدستوري الحق في الحياة من واجب الدولة الحفاظ عليه، باعتباره حق متأصل تماشيا مع المادة السادسة من الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على " لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي شخص من حياته يشكل تعسفي " كما أكدت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على انه " لكل فرد الحق في الحياة الكريمة وسلامته الشخصية ".

سيرا على نفس المنوال نصت المادة 21 من الدستور على أن " لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه وحماية ممتلكاته. تضمن السلطات العمومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع ". فدسترة هذه الحقوق من الضمانات الأساسية اللازم توفرها لإضفاء نوع من القدسية عليها من حيث الممارسة العملية لطبيعة المؤسسات التي تحميها.

 لذلك لا تخلو جل دساتير العالم من التنصيص على مثل هذه الحقوق رغم اختلافها في المضامين فإن الدستور المغربي كفل لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقاربه وحماية ممتلكاته جاعلا على عاتق السلطات العمومية ضمان سلامة السكان وسلامة التراب الوطني في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.

كما يندرج الفصل 34 من الدستور المغربي في إطار النصوص القانونية التي تهدف ال البحث عن الآليات والتقنيات التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية المتعلقة برصد وتعداد حالة بعض الأفراد اللذين – وان كانوا نظريا يتمتعون بحقوق الإنسان – إلا أنهم بسبب أوضاع معينة غير قادرين على الاستفادة من هذه الحقوق. هذه الوضعية تؤسس لمفهوم الحقوق الفئوية الذي يعطي في الواقع حقوقا جديدة لذلك نصل الفصل 34 في إطار تفعيل حقوق الفئات في وضعية صعبة " تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة الى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض تسهر خصوصا على ما يلي:

– معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهات وللأطفال والأشخاص المسنين والوقاية منها.

– إعادة تأهيل الأشخاص اللذين يعانون من إعاقة جسدية أو حسية حركية او عقلية وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع.

لقد ارتقى الدستور المغربي الجديد بثقافة التضامن إلى درجة  ترسيخها كقاعدة دستورية باعتبار التضامن تعبير عن الاندماج في مجتمع ما أو بين مجموعة من الأشخاص ومحيطهم ونوع ذلك الاندماج ودرجته، حيث أوجب الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية وبشكل متناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وتلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد بحيث المادة 40 من الدستور  "على  الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها  تنمية البلاد وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد ".

كما ألزم المشرع الدستوري الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بالعمل على تعبئة كل الوسائل القانونية المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة في:

– العلاج والعناية الصحية.

– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي او المنظمة من لدن الدولة.

-الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة.

هي كلها مقتضيات يستفاد منها التدخل الدائم للسلطات العمومية ضمن ما تقتضيه ضرورة تعميم الأمن العام والسلامة الصحية للمواطنين في الأوقات العادية، وبالأحرى في الأوقات الاستثنائية التي تستوجب تدخلها المباشر والمستمر طبقا للالتزامات الدولة نحو مواطنيها، لذلك أقرت  السلطات العمومية  حالة الطوارئ الصحية من خلال مرسم قانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 موافق ت 23 مارس 2020  المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ، ومرسوم  قانون رقم 2.20.293 الصادر في 29 من رجب 1441 موافق 24 مارس 2020  المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني  لمواجهة تفشي فيروس كرونا موفيد19  ونصت على  مجموعة من التدابير منها  عدم مغادرة  الأشخاص لمحل سكناهم إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من طرف السلطات المحلية، منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه إلا في الحالات القصوى، منع التجمعات  والتجمهرات  والاجتماعات للأشخاص إلا إذا كانت لغرض مهني ورعيت فيه تدابير الوقاية

وإذا كانت الوضعية الصحية الناتجة عن وباء فيروس كرونا تقتضي إقرار تدابير استثنائية في الحفاظ على الأمن العام والسكينة والسلامة الصحية، فإن ذلك لا يعني بتاتا تعطيل القوانين والحقوق الدستورية للمواطنين، ولا يعني مطلقا ضرب عرض الحائط الحقوق السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية للمواطن باعتبارها هي الأخرى مكفولة دستوريا.

* دكتور في القانون العام