الخبر من زاوية أخرى

حال مدرستنا: محاولة انتحار.. سرقات داخل إعدادية واستهلاك “السيلسيون”

Avatarسعيد إبن إدريس


صدم الرأي العام الوطني، وحتى الرأي العالمي (العالم قرية صغيرة بفضل الإنترنت)، منذ أيام، بخبر محاولة فتاة (تلميذة تدرس بإعدادية بمدينة وزان) الإنتحار برمي نفسها من الطابق الأول للإعدادية بسبب ما صدر عن أستاذة لها من سب وشتم وألفاظ نابية، جعلها على ما يبدو تلقي بنفسها دون التفكير في العواقب، بحسب رواية عائلة التلميذة.
 
قبل هذه الواقعة، وغير بعيد عن وزان، وبمدينة شفشاون، أقدم تلميذ يبلغ من العمر 12 سنة على شنق نفسه لعدم تمكن أسرته من إقتناء الأدوات المدرسية!!
 
وبالعاصمة الرباط، بحي "الرياض" أحد أرقى الأحياء، وبإعدادية (ابن طفيل) التي كان ولي العهد مولاي الحسن يتردد عليها من أجل دراسة مادة "التكنولوجيا"، ويقال إن مولاي إسماعيل درس بها المرحلة الإعدادية، سجلت خلال الشهر الماضي فقط، أربع عمليات سرقة لهواتف التلاميذ بداخل المؤسسة. أمر لا يحدث، ربما، حتى في الأسواق الأسبوعية…؟!!
 
الواضح أن السارق أو السارقين ليسوا سوى من داخل المؤسسة. فهل نحن في مؤسسة تعليمية محترمة أم في إحدى "السويقات"…!؟
 
بعيدا أكثر عن الرباط، كانت الصدمة قوية أيضا والكاميرا تسجل تلاميذ (فتيان وفتيات) في مدينة بني ملال يستنشقون مادة "السيلسيون" فوق حائط المدرسة؟!! مشهد عهدناه في الأزقة والطرقات لفتيان لم ينالوا حظهم من هذه الدنيا، وتلاعبت بهم أمواج التشرد والعوز والتهميش والإقصاء، ولم يجدوا من وسيلة لتناسي وضعهم المأساوي إلا باستنشاق مادة لاصقة ومخدرة تفعل بأجسامهم الغضة ما تفعل، وتلحق بهم من الأذى ما لا يتصور…
 
نكتفي هنا بذكر بعض النماذج من أربع مدن من المملكة حتى لا نتهم بارتداء النظارات السوداء، إذ يكفي أن تنقر في "اليوتيوب" كلمة (مدرسة) أو (إعدادية)… لتجد توثيقا مسجلا لعمليات عنف غالبا ما تكون متبادلة بين الأساتذة والتلاميذ، وتصل حد تكسير الطاولات والسبورات والكراسي… والتلفظ بكلمات نابية وخادشة للحياء، يستحيي المرء ذكرها، فما بالك حين تصدر عن تلميذ أو أستاذ؟
 
الإشكالية المطروحة الآن: ما الذي أوصل هؤلاء التلاميذ والأساتذة إلى هذا المستوى الخطير؟ وما هي السبل لتجاوز هذا المنزلق المؤدي إلى الهلاك المبين؟
 
لعل جيل الإستقلال، وما بعده إلى وقت قريب، يتذكر الهيبة التي كانت سمة المعلمين والأساتذة، وكيف أن رجال التعليم كانوا أكثر حضورا في حياة التلاميذ من أولياء أمورهم، حتى إن الآباء والأمهات كانوا يقصدون المعلم أو الأستاذ ليشكوا له سلوكا خاطئاً أو تقصيرا لأبنائهم، وكيف كان رجال التعليم، على بساطة تموينهم، في مستوى هذه المسؤولية… وإني أقسم أني أعرف معلما شفي على يده تلميذ له من التلعثم، وكأنه خبير أوروبي أو أمريكي في تخصص النطق والكلام! وهناك حالات عديدة يمكن سردها لا يتسع المجال لذكرها…
 
فما الذي صنع هذا الشرخ الكبير بين التلاميذ والمدرسة إلى درجة أنهم ينكتون حين يسأل أحدهم: من المنافق؟ فيرد الآخر: الذي يذهب إلى المدرسة مبتسما!!!
 
هي نكتة بحمولة إجتماعية ونفسية وتربوية خطيرة يتم تداولها بشكل عادي، وها نحن نرى ما يحدث من عنف وسرقة وتناول للمخدرات… وكيف نتجه إلى أن تصبح المدرسة "حلبة صراع"، وليست مكانا يقصده فلذات أكبادنا من أجل التربية قبل التعليم؟ الجواب نعرفه جميعا.
 
إن الذي ينقصنا ليس "فحص الأمور" بل "إرادة التداوي". وحتى لا نطيل في ما نقول، لأن الغرض من هذه المقالة هو إثارة هذ الإشكالية ودعوة الوزارة الوصية على القطاع إلى أن تولي لها المزيد من الإهتمام بالإنفتاح على مختلف الفاعلين والشركاء، وعدم اعتبارهم كما يقول المثل المغربي مجرد "خضرة فوق الطعام".
 
وفي هذا الإطار، نورد بعض الإقتراحات حتى لا نكون ممن ينتقدون من أجل النقد وحسب:
 
1- ضمان تكوين خاص للإداريين بمختلف المؤسسات التربوية من خلال خلق "معهد لتكوين المدراء" وغيرهم، على أساس فتح المجال لكل الفئات (حتى من خارج الوزارة) من خلال ما يسمى ب"تقديم الترشيحات" كما يحصل في المؤسسات الجامعية، وألا يعتمد "مقياس الأقدمية" بل "مقياس المشروع المقدم" من أجل النهوض بالمدرسة والتلاميذ…
 
2- إعطاء هامش أوسع لمدراء المؤسسات التعليمية من أجل أخذ المبادرات واتخاذ القرارات لأنهم الأعلم بخصوصية المؤسسة، وتمكينهم من الوسائل الذاتية من أجل تحقيق الأهداف المسطرة…
 
3- الإنفتاح على محيط المؤسسة وعقد إتفاقيات شراكة ثنائية مع أشخاص ذوي كفاءات، مؤسسات وتجمعات تعنى بالشأن التربوي من قبيل أخصائيين إجتماعيين وأطباء نفسانيين وأساتذة ومعلمين غير رسميين (متطوعون) وجمعيات…
 
4- إعطاء "جمعية أولياء التلاميذ" المزيد من الحضور الفعلي والمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات المصيرية بالنسبة للمؤسسة من خلال إحداث "مجلس للإدارة" وآخر للمتبرعين، وفتح باب التطوع أمام من يريد المساهمة في الرقي بالمؤسسة، حتى لا يبقى هاجس "جمعية أولياء التلاميذ" منحصرا في جمع أموال الإنخراطات وصباغة الحجرات والأبواب وما شابه ذلك…
 
5- تقديم تقرير سنوي أو نصف سنوي من طرف الإدارة وجمعية الآباء لطرح المشاكل الموجودة واقتراح الحلول المناسبة لها، مع إشراك الشركاء المؤسساتيين وغيرهم، واعتماد "مقاربة تنموية" للمؤسسة التعليمية، حتى لا تبقى فصول الدراسة مجرد مكان للإملاء والتحصيل…
 
6- الإتصال الدائم بأولياء الأمور، وإجبارهم على التفاعل مع المؤسسة (إدارة وجمعية الأولياء) من خلال إمضاء إلتزام في هذا الإتجاه، واستعمال الشبكة العنكبوتية للتواصل معهم وإخبارهم بكل جديد، وإشراكهم بتقبل اقتراحاتهم…
 
7- خلق مجال للتعاون المنتج والتبادل المثمر مع مؤسسات أجنبية مثلما يحدث مع المؤسسات الجامعية، وإنعاش مجال تبادل البعثات بالنسبة للتلاميذ…
 
نكتفي بهذا القدر من المقترحات، وإن كان في الجعبة المزيد، ونطلقه نداء صادقا وقويا لكل الفاعلين، خاصة السياسيين وعلى رأسهم سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي: "أنقذوا مدارسنا وفلذات أكبادنا قبل أن يفوت الأوان".
 
وقبل أن يفوت الأوان… نقول، حقيقة، إننا نصاب بالغيرة الإيجابية والمحفزة على تغيير حقيقي لأوضاعنا التعليمية البئيسة، ونحن نرى المجلة الأمريكية المرموقة "تايم" تختار للقب شخصية عام 2019، الطفلة غريتا تونبرغ. 
 
تونبرغ، الناشطة السويدية في مجال المناخ والبالغة من العمر 16 عاما، حظيت بهذا اللقب بفضل "إلهامها لملايين الشبان عبر العالم بالتحرك لمكافحة تغير المناخ".
 
وكانت تونبرغ أطلقت حملة شعبية، وهي في سن 15 عاما، ومفادها التغيب عن المدرسة في أيام الجمعة، للتظاهر خارج البرلمان السويدي وحث الحكومة على تحقيق أهدافها الطموحة للحد من انبعاثات الكربون.
 
وسرعان ما حفزت تصرفات تونبرغ الكثيرين، ففي شتنبر 2019 تظاهر الملايين في شوارع عواصم ومدن مختلفة على مستوى العالم دعما لقضيتها.
 
وخلال 16 شهرا بعد (بدء احتجاجاتها)، خاطبت رؤساء الدول والحكومات في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، والتقت بالبابا ودخلت في تراشق لفظي مع الرئيس/التاجر دونالد ترامب، وألهمت الملايين في مختلف القارات للإنضمام إلى إضراب مناخي عالمي.
 
نحن نعتقد جازمين، ككل الغيورين على تطور بلدهم، أن المغرب يتوفر على نماذج ناصعة من قبيل الطفلة السويدية غريتا تونبرغ، وربما أحسن منها. ولكن في غياب أي "مقاربة تنموية" للمؤسسة التعليمية ببلادنا، سنبقى ننتج الهلاك والدمار بدلا من النماذج الملهمة والمحفزة على النهوض الحقيقي؟
 
يوما ما قال الشيوعيون: "الطلبة كلاب الثورة"، والمؤكد أنهم لم يقصدوا الكلاب بالمعنى الحقيقي… ولنا في التاريخ عبر.