الخبر من زاوية أخرى

من أجل تقويم وإصلاح ناجع للمنظومة التربوية في المغرب.. الأمل ممكن

Avatarلحسن حداد


من السهل تماما انتقاد المنظومة التربوية والحط مما حققته الإصلاحات المتوالية من إنجازات ونعث الأساتذة رالإدارة على أنهم هم المسؤولون عن فشل الإصلاح. ولكن هذه المقاربة لا تثمن ما تم إنجازه بجهود الجميع: تعميم الولوج إلى الابتدائي وسد التفاوت بين الذكور والإناث فيما يخص التمدرس بشكل عام، وتطوير وسائل الولوج خصوصا النقل المدرسي والداخليات ودور الطلبة، إضافة إلى بناء وحدات خصوصا على مستوى الإعدادي، والرفع من الميزانية المخصصة للاستثمار، وتقوية دور الأكاديميات، وتحسين ظروف الحصول على الباكالوريا، والرفع من قيمة وعدد منح الطلبة الجامعيين، وتغطية جزء كبير من التراب الوطني بالوحدات الجامعية–هذه إنجازات لا يستهان بها وفي نظري هي مداخل مهمة لإنجاح الإصلاح. 



إن كنا قادرين على تحقيق هذه الإنجازات فنحن قادرون على تحقيق الإصلاح الشامل، خصوصا إذا ركزنا على أولويات تحسين الولوج والرفع من جودة التعليم ووضع مؤشرات حول الإنجاز والتتبع والمقارنة مع دول أخرى وإصلاح منظومة الحكامة المتعلقة بالنظام التربوي برمته. 



التحدي الأكبر هو الجودة. والجودة تقتضي تحديدا للكفايات المنتظرة على كل مستوى وتكوينا أحسن للأساتذة لكي يلقونها بطرق بيداغوجية مبتكرة تعتمد على ملكات التفكير النقدي، والتحليل، وحل المشاكل، والتواصل. وهذه الملكات لا يتم تنميتها بدون كفايات حياتية مهمة مثل الثقة في النفس وقبول الاختلاف والقدرة على التعبير وتنمية القدرة على تقبل النقد وغيرها. لهذا فالحفظ والتقليد والتكرار والاجترار هي مقاربات يجب إحداث القطيعة معها بشكل تام. هذا لن يتأتى بين عشية وضحاها ولكن الدول التي أحدثت قفزة نوعية في ميدان الجودةالتربوية مثل سنغفورة والسويد وفينلتدا ونيو زيلاندا وأستراليا والتي التحقت بنادي الكبار (المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وسيوسرا)، أحدثت قطيعة مع مناهج الحقظ وركزت بشكل كبير على ملكات النقد والبحثث والابتكار والتواصل. 



  يجب إعادة النظر في المنظومة الكفاياتية برمتها وبناءها بناءا بيداغوجيا وعقلانيا والاعتماد على مناهج اللعب ولعب الأدوار ودراسة الحالات وتوفير وسائل بيداغوجية متطورة ومتنوعة. ويقتضي تكوين جيل جديد من المفتشين والمستشارين البيداغوجيين يرافقون الأساتذة عبر دورات تكوينية ودروس نموذجية ونصائح ميدانية. ويقتضي تشجيع وتحفيز الأساتذة والمعلمين على إعادة التكوين والتكوين المستمر واحتساب ذلك في  مسارهم المهني. لا إصلاح بدون انخراط فعلي لرجال ونساء التعليم ودون إعادة النظر في كفايات الجميع من تلاميذ ومدرسين وإدارة. 



شروط عمل رجال ونساء التعليم والطاقم الإداري في ظل تنامي ظواهر العنف المدرسي وتفشي المخذرات وعدم الانضباط يجب أن تكون أولوية من أولويات الإصلاح. آن الأوان لإعادة الهيبة والنظام والانضباط للمؤسسات التربوية. ويتم كل هذا في إطار انخراط فعلي من الكل، من آباء وتلاميذ وأساتذة وإدارة ومجتمع مدني وأمن. إعادة خلق هذه الشروط أساسي لمباشرة الإصلاح البيداغوجي الحقيقي المبني على الجودة والابتكار والتفوق والتميز. 



تحسين الولوج ضروري ولكن لا يجب أن يكون على حساب العملية التربوية. ظاهرة الاكتضاض غير صحية ومنافية لشروط التعلم السليمة. لهذا يجب وضع خطة لتقليص حجم الأقسام إلى ما دون الأربعين تلميذا على المدى القصير والمتوسط وما دون الثلاثين على المدى البعيد. هذا يقتضي تدبيرا استراتيجيا دقيقا وعملية استباقية تأخذ بعين الاعتبار التطور السكاني للوسط ( لتحديد المسجلين المحتملين بالا بتدائي) ونسبة المتعلمين المستقبلية، بناء على معطيات المدارس التي تزود الإعداديات والثانويات بالمتعلمين. ويقتضي كذلك إيجاد حلول سريعة خلال عطلة الصيف من أجل تحسين الولوج وتحسين شروط التلقين والتعلم. 



يجب كذلك وضح حكامة للمنظومة التربوية مبنية على التدبير بالنتائج وعلى المسؤولية والمحاسبة. تقوية وتحديد مسؤوليات وأدوار الإدارة وإعطائها الوسائل اللازمة وضمان انخراط الأساتذة في القرار التربوي عبر مجالس ولجان تربوية مع محاسبتهم على نتائج عملهم عبر مؤشرات مضبوطة وموضوعية أساسي من أجل ضمان سلامة العملية التربوية. المسؤولية يجب أن تكون كاملة ومحددة بشكل واضح لكي تكون المحاسبة كذلك منصفة وتشجع على تجاوز العقبات وتدليل الصعاب. المحاسبة لا تعني العقاب ولكن تقييم الإنجاز من طرف التلاميذ والآباء والفاعلين المحليين بشراكة مع الإدارة والأساتذة لتجاوز المشاكل وللاستفادة من الممارسات الجيدة. وهذا يقتضي انفتاح المدرسة على المحيط وعلى الفاعلين المحليين من آباء ومجتمع مدني وسلطات ومنتخبين وتقييم الإنجازات بشكل دوري وكذا الخطط المستقبلية والتفاعل مع الملاحظات والانتقادات والأفكار الواردة من خارج المدرسة. 



من المفروض أن يكون التلاميذ والمتعلمون بشكل عام في صلب معادلة الإصلاح. العملية البيداغوجية هي في أصلها عملية مركزة على المتعلم لا على المعلم. لهذا وجب إعادة النظر في الوسائل والمناهج وتنظيم الأقسام لكي تصير مركزة على المتعلم. من جانب آخر، يجب أن يصبح التلاميذ والطلبة شركاء في الإصلاح. ضمان انخراطهم الفعلي والإنصات إليهم وإشراكهم في القرارت التي تخص تربيتهم أساسي لإنجاح عملية التقويم. لا يمكن تمرير عملية تحسين الأداء البيداغوجي دون إشراك المتعلمين عبر التواصل والشرح والانصات والتفاعل والإقناع. 



عملية الإصلاح التربوي عملية معقدة وتأخذ وقتا طويلا. لهذا فإن أي تخطيط استراتيجي يحب أن يكون على مدى عشرين سنة على الأقل ويكون محددا عبر مؤشرات نوعية يتم تحقيقها على مدى سنوات من الإنجاز والتقييم وإعادة النظر. لهذا وجب ضمان استمرارية الأهداف والمقاربات والمؤشرات والمناهج رغم تعاقب الحكومات والوزراء من مختلف الأطياف السياسية. ما يتم تغييره هو ظروف وشروط الملاءمة والمسايرة لتطورات المجتمع وحسب نتائج التقييم المستمر. لا يجب أن يصبح إصلاح المنظومة ضحية أو رهينة النزوات الفكرية للمسؤولين السياسيين. الإصلاح يقوده المدراء والمفتشون والأساتذة والآباء والتلاميذ والفاعلون المحليون وما على الوزراء إلا تدليل العقبات وإيجاد الوسائل والموارد وتتبع التقييم وتعبئة الجميع من حكومة وبرلمان ورأي عام وراء جنود الإصلاح المتواجدين داخل الأقسام وفي البيوت وفي محيط المدرسة. 



إصلاح المنظومة التربوية يتطلب الوقت وطول النفس وبعد الرؤيا. ولا يتأتى هذا دون تحديد تصور دقيق لما نريده على مدى عقدين   من الآن، نقوم بحشد الطاقات للوصول إليه في إطار تعاقد مجتمعي واضح المعالم. وهذا ممكن والمغرب يتوفر على إمكانات هائلة للوصول إلى المبتغى. يكفي فقط أن نستعملها استعمالا رشيدا وذكيا وتتوفر لدينا الإرادة والعزيمة لخلق الأمل لدى الأجيال الصاعدة، لدى رجال ونساء مغرب الغد.