الخبر من زاوية أخرى

حسن بنعدي يكتب: نداء إلى أنصار حزب الأصالة والمعاصرة

Avatarحسن بنعدي


يعقد حزب الأصالة والمعاصرة في غضون الأيام المقبلة دورة المجلس الوطني قصد أخذ العلم بانتخاب الأمين العام المستقيل وتدارس آفاق المستقبل.

 إن التطورات المحتمل أن تعرفها هذه الهيئة السياسية التي تحتل موقعا هاما في الرقعة السياسية لا بد أن تكون لها آثار دالة على المشهد الحزبي برمته، وبالتالي على مسلسل البناء الديمقراطي المغربي الفتي والمتعثر أحيانا.

إن الهدف من هذا النداء هو إثارة الانتباه إلى ضرورة الاهتمام في هذه اللحظة الدقيقة بما هو أهم مما يشغل حاليا معظم الفاعلين والمعلقين على حد سواء، الذين يولون العناية إلى ما يفتعل في الكواليس من مشاورات وتموقعات تعبر كلها عن الطموحات الفردية والحسابات الضيقة، بعيدا عما هو أساسي وحيوي.

ولكي نقف على ذلك، لا بد أن نستحضر منطلقات مشروع الأصالة والمعاصرة، والتأكيد مجددا على القناعات المشتركة التي حركت المؤسسين المبادرين وتجاوبت معها الآلاف من المواطنات والمواطنين الذين كانت تغص بهم قاعات التجمعات الأولى التي عقدتها حركة لكل الديمقراطيين انطلاقا من يناير 2008.

انطلقت الحركة للجواب على سؤالين دقيقين اثنين أفرزتهما انتخابات 2007.

يتعلق الأول بالنسبة المتدنية المقلقة التي بلغها العزوف عن المشاركة، ويتعلق الثاني بالإرهاصات الأولية التي أضحت تنذر بإمكانية سقوط المشهد الحزبي الوطني تحت هيمنة فاعل سياسي وحيد.

جاءت المبادرة لخلق إطار حزبي جديد كمحاولة للدفاع عن التعددية الحزبية أولا وقبل كل شيء، ثم لتقوية معسكر أنصار التطور التقدمي للمغرب في أفق الحداثة المتشبثة بالأصالة المغربية.

لقد أظهرت الأحزاب التقليدية، المنبثقة عن الحركة الوطنية عدم قدرتها على التجدد، بحيث ظل أفقها حبيس الحدود الضيقة لميثاق التناوب التوافقي.

 فظهرت بالتالي حاجة العهد الجديد إلى فاعل سياسي جديد، قادر على خلق شروط ملموسة تمكن من كبح السيل الجارف المتدفق على أكثر من قطر من أقطار العالم العربي.

 ولقد تم بالفعل ذلك وبأقل تكلفة، وتم إنقاذ التعددية الحزبية بل وأدت خلخلة المشهد إلى إعادة الحيوية إلى الفاعلين الآخرين.

ولم يكن الإقدام على خلق إطار حزبي جديد بالأمر الهين بل تخللت المخاض نقاشات مضنية بين من كان يميل إلى الانطلاق من الصفر، ومن كان يفضل التعامل مع الحالي من موروث التجربة الحزبية القائمة وذلك باللجوء إلى إدماج تنظيمات موجودة وتطعيمها بعناصر جديدة.

ولم يفت البعض أن ينبه إلى المخاطر المحدقة كأن يغلب القديم الجديد أو أن تحيط الممارسات المافيوزية بالتهافت الانتخابي وراء الكراسي والأرقام.

كنا ندرك أن ما وقع عليه الاختيار لم يكن الامثل وإنما الممكن في ظل الضغط السياسي الذي لم يكن ليفسح المجال للطهرانية أو التفنن أو الإبداع.

لقد تم إنشاء الإطار الحزبي الجديد في سباق مع الزمن وضدا على المشككين والمناوئين الذين كانت تأتي ضرباتهم أحيانا من قلب الدوائر الأولى للسلطة، وضدا على الجوقة التي تناغمت ضمنها أصوات غير متجانسة للنيل من الوافد الجديد.

ثم جاءت توترات الربيع العربي لتمكن الانتهازيين المقنعين من ركوب الموجة، باسم الإصلاح ومحاربة الفساد ومن إطلاق العنان لخطاب شعبوي كاسح يزيده عيُّ المتحدثين باسم الأصالة والمعاصرة، وانحرافات بعض ممثليه لمعانا وقوة.

وبعد اندلاع حراك الريف، ظهر الحزب الفتي، ويا للمفارقة، بمثابة الرمز الذي يجسد فشل آليات الوساطة الحزبية برمتها، ونبذها من لدن الشباب الغاضب الذي كان يرى فيها مرتعا للانتهازيين والمستفيدين والفاسدين.

 وفي خطاب شديد اللهجة، عبر الملك عن تجاوبه مع جماهير الشعب ومشاركتهم في انعدام الثقة بالطبقة السياسية، ثم دعا إلى التغيير.

في خضم هذه التفاعلات انتقلت أزمة الأصالة والمعاصرة من الخفاء إلى العلن، ثم انطلقت بعد ذلك مرحلة التناور والاحتيال.

لكل هذا يتخذ موعد 26 ماي بعدا مصيريا.

فعلى أكبر حزب سياسي، تأسس في عهد ا لملك محمد السادس أن يختار، بل على مؤسسيه وممثليه الصادقين، المتواجدين في مختلف المواقع وعلى كافة أنصاره ومناضليه الجادين أن يتحملوا مسؤولية مواقفهم.

فإما أن يقبلوا طريق المناورات المسدود، الذي يسير فيه كل من يحاولون أن يغيروا شيئا لكي يبقى ما كان كما كان.

وهذا ما تنذر به بعض الإشارات وبعض الخطابات، وإما أن يختاروا طريق الفوضى مستفيدين من الاندفاعات الانتهازية التي تحرك بعض المتهافتين، حتى يثبتوا ألا بديل عنهم وأن بعدهم الطوفان، ويتذرعون وراء ذلك بأحكام الديمقراطية الصورية، وهم يعلمون جيدا أن شروط الاحتكام إلى الديمقراطية الحقة غير متوفرة الآن وحالة الحزب على ما هي عليه. وأن الدعوة إلى المجازفة لن تفضي إلا إلى انتحار محتوم.

وإما أن تغلب الحكمة ونكران الذات وروح المسؤولية ويتوافق الجميع على توفير شروط العودة بالحزب إلى الطريق الصحيح والرجوع بالمشروع إلى حقيقته، ويكون ذلك بترتيب المرحلة المقبلة في الأشواط التالية:

-أخذ العلم رسميا بانسحاب الأمين العام المستقيل.

-تكليف رئاسة المجلس الوطني، وهي المؤسسة الشرعية الوحيدة الآن، بتدبير شؤون الحزب.

-تأسيس لجنة استشارية إلى جانب رئاسة المجلس الوطني مفتوحة أمام كل من يريد تحمل مسؤوليته من المؤسسين إذا لم تحل ظروف قاهرة دون ذلك.

-تحديد أجل معقول للإعداد لمؤتمر وطني استثنائي يتم التحضير له بالمراجعة الشاملة لتنظيمات الحزب الجهوية.

-الذهاب بعد ذلك إلى المؤتمر الاستثنائي لاختيار أجهزة جديدة عبر الالتزام بالآليات الديمقراطية.

هذا مسلسل ممكن وجدي وذو مصداقية، من شأنه أن يوصل الحزب إلى تحمل مسؤولياته في المساهمة في تعزيز مكتسبات المغرب في أفق الديمقراطية الحقة والتحديثً.

 إن المطالب الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي يعبر عنها المغاربة اليوم أصبحت تسائل أكثر من أي وقت مضى همم الوطنيين والتقدميين الصادقين، في الوقت ذاته الذي بدأت تتكشف فيه ادعاءات الظلاميين الرجعيين، بحيث استطاعت يقظة الشباب وحيوية المجتمع المدني فضح التواطؤ المقيت ما بين جشع الانتهازيين ونفاق الرجعيين.

إن ارتفاع الوعي وتأتي المعلومة وجعلها في متناول الجميع مكنت المواطنين من وسائل الحكم على السياسات المتبعة والإجراءات المتخذة من خلال نتائجها، وإدراك هول الأضرار التي تلحقها بحقوق المواطنين وتطلعات أبنائهم المشروعة.

ولقد أدرك الكل بأن هذا التواطؤ المقيت يأتمر بأوامر قوى خارجية لا تعبأ بمصالح الوطن والمواطنين، ويشكل الإنصاف والعدالة الاجتماعية آخر همومها.

يبحث المغرب اليوم على نموذج بديل يوفر العدالة الاجتماعية والإنصاف ويكون معبئا لكل الطاقات بقدر ما هو عادل ومنصف.

وعلى الأحزاب أن تكسب ثقة الشعب إن أرادت أن تلعب دورها كاملا في هذه المعركة.

على حزب الأصالة والمعاصرة أن يكون مؤهلا وأهلا أن يضطلع بدوره كاملا إذا استطاع أن يسترجع الوفاء للقناعات التي حركت مؤسسيه الأولين.

 وعلى هؤلاء بدورهم أن يتحملوا مسؤوليتهم في المساعدة على عودة المشروع إلى أصله، حتى يسترجع حزب الأصالة ثقة الناس واحترامهم.

 ولن يتأتى ذلك إلا إذا التزم مسيروه بأن يكونوا قدوة طالما أن المعارك السياسية تكسب أولا على جبهة الاخلاق، والالتزام بفضيلة الصدق والنزاهة.

 

حسن بنعدي عضو المكتب السياسي وأول أمين عام للأصالة والمعاصرة