الخبر من زاوية أخرى

“عدم دستورية القوانين”.. درس المحكمة الدستورية الكبير

Avatarأمينة ماء العينين


قرار المحكمة الدستورية المتعلق بالقانون التنظيمي المتعلق بشروط واجراءات الدفع بعدم دستورية قانون(الفصل 133 من الدستور) يستحق أن تنظم حوله ندوات وأيام دراسية لتعميق النقاش لكل المهتمين بالتشريع واشكالياته.
 
أود ان اهنئ المحكمة الدستورية على الدرس المؤسساتي الكبير الذي قدمته في الدفاع المستميت عن اختصاصاتها ورفض مصادرتها من طرف المشرع فيما يتعلق بارساء نظام تصفية يبتدئ بمحاكم أول وثاني درجة للبت في قبول دفوعات عدم الدستورية من عدمه ثم محكمة النقض للنظر في جدية الدفع وامكانية رده.
 
المحكمة اعتبرت أن النظر في المضمون هو تطاول على اختصاص منحه الدستور رأسا للمحكمة الدستورية دون غيرها وقضت بعدم دستورية نظام التصفية كما ورد في القانون رغم تفهمها لاعتبارات المشرع (بعد اطلاعها على الأعمال التحضيرية البرلمانية) الذي تخوف من تراكم الملفات على المحكمة الدستورية مما قد يؤثر سلبا على النجاعة القضائية وتسريع البث في الدفوعات.
 
هذا القرار انتصر لتصور دافعتُ عنه باستماتة داخل لجنة العدل والتشريع غداة مناقشة مشروع القانون حيث اعتبرتُ أن بث محكمة النقض في جدية الدفع هو ممارسة مُقَنَّعَة لاختصاص القاضي الدستوري وأن لا حق لها في ذلك وهو تصور دافع عنه زملاء آخرون.
 
الحكومة للأسف دفعت كعادتها في ممارسة الرقابة على البرلمان وليس العكس، بكون تصور نظام التصفية محسوم لديها قبل ايداع مشروع القانون في البرلمان وأن الاغلبية عليها الامتثال والاذعان لما تراه الحكومة مناسبا لأنها هنا لتمرير تصور الحكومة التي تدعمها وليس لتغييره (وهو امر يتكرر بطريقة مؤسفة مع قوانين مهمة تكاد تحول الأغلبية دون مبالغة الى أداة للتصويت).
 
المحكمة الدستورية أكثر حظا من البرلمان لأنها تقرر وفق قناعات اعضائها وقراراتها ملزمة وغير قابلة للطعن.
 
لذلك أجدني اليوم سعيدة لكون القانون سيرجع للبرلمان وسيقبل وزير العدل نيابة عن الحكومة ما تصلب في رفضه ليس فقط بخصوص نظام التصفية.
 
لكن أيضا بخصوص أطراف الدعوى حيث دافعتُ شخصيا عن حق النيابة العامة كطرف أصلي أو منضم في الدفع بعدم دستورية قانون.
 
واعتبرت أنه من الايجابي أن تحرص النيابة العامة من خلال تجربتها على الدفع بعدم دستورية قانون لأنه يمس بأحد الحقوق او الحريات المنصوص عليها في الدستور.
 
درس آخر تقدمه المحكمة الدستورية للبرلمان حين تنبهه أنه يتنازل عن جزء من اختصاصاته في التشريع حينما يحيل على النظام الداخلي للمحكمة الدستورية وكذا عدم تنصيصه القانوني المباشر على الحالات التي يمكن ان تكون فيها الجلسات سرية.
 
الخلاصة:
1) المحكمة الدستورية تدافع بقوة عن اختصاصاتها وترفض مصادرتها تحت أي مبرر حتى لو كان ظاهره مصلحة عامة،وهو درس يجب أن يستفيد منه البرلمان الذي يتعرض لمصادرة واضحة لاختصاصه التشريعي من طرف الحكومة التي صارت تتعسف أكثر فأكثر في فرض ارادتها على المشرع حتى لو لم تتحصل لديه القناعة.
 
 مما يجعل البرلمانيين في مأزق أخلاقي أمام ضمائرهم،حيث يفرض عليهم سياسيا (بدعوى التموقع في الأغلبية) التصويت ضد قناعاتهم.. المحكمة الدستورية تصحح اليوم بعض الأخطاء.
 
2)الضغط الذي يفرض على البرلمان سواء الزمني او النفسي يؤثر مباشرة على جودة التشريع حيث تأخذ الحكومة عادة وقتها كاملا في الاعداد والتشاور الداخلي لاعداد مشاريع قوانين قد تستغرق سنوات.
 
وبمجرد ايداعها في مجلس النواب، يبدأ الضغط وتتحرك الهواتف للتسريع وعدم ايداع التعديلات او سحبها مرة بدعوى الالتزام بآجال دولية،ومرة بدعوى المصلحة الوطنية وعادة لاعتبارات غير مقنعة.
 
هذه رسالة لكل المسكونين بالهاجس الديمقراطي في هذا البلد:كفوا عن اهانة البرلمان، لأن  اضعافه والانتقاص من شأنه ومصادرة حقه في التشريع وفق قناعة البرلمانيين الذين يتمتعون بشرعية التمثيل،هو عرقلة صريحة للمسار الديمقراطي الذي لا يمكن أن يكتمل الا ببرلمان مستقل وقوي.