“20 فبراير”.. عندما وجد الهمة نفسه وحيدا وسط “الإعصار”
مرت الآن سبع سنوات بالتمام والكمال على أكبر حركة احتجاجية عرفها المغرب في تاريخه بعد الاستقلال.
أي عندما خرجت أكثر من 50 مدينة في مختلف جهات البلد لتطالب ب"دستور جديد وحل البرلمان وتشكيل حكومة انتقالية ومحاكمة المتورطين في قضايا الفساد ورحيل رموز الاستبداد".
ونقصد هنا بالطبع "حركة 20 فبراير" التي كادت أن "تحرق الطاجين المغربي"، بتعبير عبد الإله بنكيران الذي تبنى مطالب هذه الحركة دون أن ينخرط فيها خوفا من "المجهول" الذي لا يبقي ولا يذر.
لكن بعض إخوان بنكيران كان لهم رأي آخر وفضلوا الانضمام إلى هذه الاحتجاجات الشبابية، وها هم اليوم وزراء وموظفون كبار في دواليب الدولة وهرمها.
وإذا كانت معظم الهيئات السياسية والنقابية حافظت على بعض "الصواب" ولو من بعيد مع هذه الحركة الاحتجاجية فإن حزب "الأصالة والمعاصرة" كان المطلوب رقم واحد لهؤلاء الشباب الغاضبين.
ولسنا في حاجة أن نذكر هنا ب"الشعارات النارية" التي رفعها شباب وشابات 20 فبراير ضد رموز البام وقادته، بل طالبوهم بالرحيل في لافتات لا زالت إلى اليوم تؤثث مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وفضاءات الأنترنيت.
والحقيقة أن قادة "حزب الدولة" استشعروا مبكرا "التداعيات الخطيرة" التي يمكن أن تكون لهذه الحركة الاحتجاجية خاصة في سياق إقليمي عصف بداية بزين العابدين بنعلي في تونس وبحسني مبارك في مصر.
ولأن الأمر كذلك، فقد حاول قادة البام، الذين كانوا وقتها بمثابة "جهاز أمني" فوق القانون، "احتواء" هذه الحركة قبل أن يشتد عودها أو قل قبل أن يخرج ماردها من "القمقم".
وهكذا التأم بعض "حكماء" البام في "لجنة" مصغرة وتدارسوا في "لقاء مطول" تداعيات هذه الاحتجاجات ليس فقط على مستوى البلد، ولكن أيضا على مستوى "حزب" أسسه صديق الملك وحمل اسم "الأصالة والمعاصرة".
وبالفعل فقد تحدث الجميع في هذه اللقاء المطول عدا فؤاد علي الهمة الذي لم ينس ربما أنه "رجل دولة" مطلوب منه أن يستمع أكثر عوض أن يتحدث أكثر .
وذكر البعض من هؤلاء "الحكماء" في هذا اللقاء بما كان يفعله الراحل الحسن الثاني عندما كان يواجه بعض القضايا ذات الحساسية المماثلة لهذه الحركة الاحتجاجية التي زرعت "الشك" في "الآفاق وفي الأنفس الضعيفة".
وجاء في منطوق هذا التذكير أن الحسن الثاني رحمه الله كان يفضل في مثل "الأزمات" أن يخرج في خطاب ملكي ليتحدث للمغاربة بالصراحة والصرامة اللازمتين عما هو واقع وعما سيتخذه من قرارات لتطويق أي أزمة منتظرة.
أما إلياس العماري فقد رأى ، خلال هذا اللقاء للجنة "الحكماء"، "أن احتجاجات 20 فبراير هي خطر قادم قد يكون له ما بعده على استقرار المغرب".
ولم يقف إلياس عند هذا الحد، بل إنه طلب من لجنة "الحكماء" "السماح" له بالاتصال برموز هذه الحركة للحد من "مفعول" هذا الخطر القادم.
غير أن بعض المتدخلين كان لهم تقدير آخر واستبعدوا حينها أن تشكل هذه الحركة أي خطر على البلد لكنهم توقعوا، بالمقابل، أن يواجه البام خطرا حقيقيا إذا استمرت هذه الاحتجاجات المطالبة برؤوسهم.
وهذا ما حصل بالضبط. لقد وجد قادة هذا الحزب، مع توالي الأيام، أنفسهم وسط نيران العاصفة وتحولوا إلى ما يشبه "الجمال الجرباء" التي تفر منها الناس خشية "العدوى" من "داء قاتل".
وهكذا توارى رموز البام وقادته إلى الخلف، بل كادوا أن يتبرؤوا من فؤاد عالي الهمة وتركوه وحيدا في مواجهة "إعصار" الداخل والخارج.
وكلنا يتذكر كيف "طار" إلياس إلى فرنسا لاستئناف "الدراسة" بعد أن روج وسط المكتب السياسي للحزب "أن الجهات العليا هي التي طلبت منه أن يغادر المغرب وتبديل ساعة بأخرى في انتظار أن تهدأ الأجواء".
أما الشيخ بيد الله فقد التزم الصمت كما جرت العادة. لأن الصمت بالنسبة إلى السي بيد الله هو عين الحكمة، وهو الشيء الوحيد الذي يتقنه حتى لو كان الثمن غاليا من سمعة البلد.
أقول هذا ولو أن السي بيد الله برر صمته هو أيضا في احتجاجات 20 فبراير بكون "جهة عليا" طلبت منه ذلك، فيما ابتلعت الأرض صلاح الوديع الذي اعتبر البام جزءا من "ماض غير جميل" ينبغي أن يغتسل منه صاحب أي "ضمير" حي.
وحدها بعض الأسماء القليلة النقية من البام التي ظلت حاضرة في ساحة "المواجهة السياسية والإعلامية" وراحت تدافع بوجه مكشوف عن أفكارها ووجهات نظرها ندا للند أمام الإسلاميين واليساريين وغيرهم من الغاضبين.
ولا أبالغ إذا قلت إن اختفاء إلياس ومعه العديد من قادة البام من ساحة الصراع السياسي في عز احتجاجات 20 فبراير يكاد يشبه "طعنة غادرة من الخلف".
وربما هذا ما لمح إليه فؤاد عالي الهمة شخصيا في رسالة استقالته من الأصالة والمعاصرة عندما قال "إن المشروع السياسي للحزب تعرض إلى "انحرافات كثيرة".
وأنا أزعم أن فؤاد عالي الهمة كان ربما لطيفا واكتفى بالحديث هنا عما أسماه ب"الانحرافات الكثيرة"، حتى لا يتحدث عن "الخيانات الكثيرة" لكثير من "الرجال" الذين لم يكونوا كذلك في أوقات الشدة.
وهذا ما ينبغي أن يحسب لحركة 20 فبراير، ذلك أن هذه الحركة قادت إلى هذا "الفرز" الذي تمايز فيه الصفان وعرف فيه المغاربة الفرق بين الرجال وبين أشباههم، وبين أولاد الناس وبين من هم ليسوا أولاد الناس .
لكن نفس السيناريو سيتكرر أيضا مع حراك الريف الذي كشف أيضا حقيقة الهوة بين ساكنة المنطقة وبين ممثليها المفترضين عن حزب البام.
فما أن اندلعت الاحتجاجات بزعامة ناصر الزفزافي بهذه البلدات الريفية حتى اختفى إلياس مرة أخرى لأن الرجل لم يتوقع أن تكون هذه الاحتجاجات بذلك الصدى وبتلك التداعيات العابرة للحدود.
ولأن إلياس لم يكن يتوقع أن تكون الأمور كذلك، فقد قال وقتها عن محتجي الريف على هامش اجتماع للمكتب السياسي للبام: "اطمئنوا، فإن عبد الوافي لفتيت سيتكلف بهذا الأمر، وراه غادي يطحن دينمهم".
وبالطبع، ففي هذا الكلام لإلياس مآرب أخرى. لقد أراد أن يبعث رسالة ضمنية إلى أعضاء المكتب السياسي مفادها أنه هو شخصيا من جاء بلفتيت إلى وزارة الداخلية ولا أحد غيره.
بقي فقط أن أقول. سألت يوما ما إلياس العماري، ونحن بفندق هيلتون بالرباط، عن رد فعل فؤاد عالي الهمة وهو يرى محتجي 20 فبراير يرفعون صوره ويطالبون برحيله.
ودعوني أنقل هنا بأمانة ما قاله إلياس في جوابه عن هذا السؤال: "فؤاد عالي الهمة لا يرى عيبا في أن ينتقده الناس لكن المهم عنده ألا توجه هذه الانتقادات إلى الملك".
ويبدو أن الأمر كذلك. إذ لا خلاف في أن فؤاد عالي الهمة كان ربما هو الشخص "الوحيد" الذي ظل مؤمنا بالملك وبمشروعه في الإصلاح حتى عندما "تسرب" الشك إلى بعض المحيطين بجلالته تحت ضغط احتجاجات الربيع العربي.






