الخبر من زاوية أخرى

معرض للكتاب.. لا.. إنه سوق شعبي

Avatarعادل الزبيري


تحجب أشعة شمس فبراير عن الداخل للمكان، تفاصيل المكان، ولكن صراخ الأطفال يشد كل وافد.
 
عشرات من صفوف لأطفال من مختلف الأعمار، تتدافع لدخول البناية الكبيرة، فيما عشرات من سيارات لا تجد مكانا للتوقف، ومن يناول الواصل تذكرة بثمن 5 دراهم لا يهمه أين تركن السيارة.
 
وعشرات من الشباب الذي أخطأ العنوان اجتماعيا، يتواجد في جنبات موقف السيارات، ينشرون في المكان عبارات نابية، ويبثون كل القلق بلباسهم، ومنهم من جلس القرفصاء مرتاحا للجو، بقرب سيارة، ويلف في فرح سيجارة من حشيش.
 
يدفع شيخ ستيني عربة بيديه في موقف السيارات، تطلب منه أستاذة مرافقة لبراعم، لو يزيل عربته عن الطريق، ليمر التلاميذ، لا يصغي لها الشيخ البائع، ويواصل ما يريده من شد انتباه العابرين لشراء السكاكير.
 
تمر أمامي المشاهد تباعا، في يوم شتائي دافئ، وتختلط علي المشاعر بين ضحك وبكاء، بين حزن وفرح، بين راغب في إشباع رغبة التصفح في جديد الورقي من كتب، وشراء البعض منها، وبين متأسف لواقع اجتماعي هش، جاء يستعرض نفسه في مداخل أكبر سوق مغربي للكتاب الورقي، فحوله لسويقة شعبية رديئة جدا.
 
قصدت دورة المياه، انطلقت من أقصى المكان إلى الجهة المقابلة، زحمة مرور يسببها تلاميذ مدرسة، جيء بهم ربما اضطراريا، في صبيحة ثقافية، ولكنهم ضحايا لتخطيط ثقافي مغربي سيء.
 
في مكان يأتيه آلاف من بشر، لا تفكر بتاتا في دخول دورة المياه، لأنها تحتاج هدما عاجلا حتى لا أقول شيئا آخر.
 
وخطر لي أن هذا المعرض يسيء للقراءة وللكتاب، لذلك يتوجب إيقاف هذه المهزلة السنوية، بهذا الشكل من التنظيم، وتجديد المعرض برؤية تسويقية وتنظيمية معاصرة، تقتل الشللية الثقافية، والبصمات اليسارية، والوصولية وغلاء الكتب، وتقدم للقراء المغاربة عرضا أكثر إغراء.
 
ومن جديد، وجدت صفوفا من تلاميذ صغار باغتهم موعد وجبة الغذاء، جلسوا أرضا، وفتحوا صناديق بلاستيكية صغيرة، لعلهم يسكتون جوعهم.
 
وبدأت التجوال متعبا من أول ساعة، لأن المشاهد التي تعري عرسا ثقافيا، أقلقتني وأتعبتني.
 
فيما الكتب على طاولات أو رفوف، يمر بقربها آلاف من زائرين يوميا، ما قصدوا المكان إلا لتجزية الوقت وممارسة رياضة العيون، ومراهقون في زمر يبحثون عن أفضل سيلفي يوثق للمرور التاريخي بقرب من كتاب.
 
لا أعرف لماذا تتراص قبالتي مشاهد رمادية اللون، في هذا المكان.
 
وبدأت حرارة غلاء أثمنة الكتب تدب في جسدي، كلما سألت في أي رواق عن ثمن كتاب ورقي، لا يقل الثمن عن 100 درهم مغربي، حتى كتب الأطفال أصابها غلاء، مع استثناءات قليلة جدا.
 
تحسس أنفي من الغبار في المكان، انتابتني نوبة عطس، وتعرقت وسط زحمة مرورية، غادرت المكان لأشم هواء من رب رحيم، وشعرت أن بي حاجة لقهوة تساعدني على تنشيط الفكر من جديد.
 
وجدت سلتي من قش، الصفراء اللون، بدأت تثقل بما فيها من ورق من كتب، روايتان جديدتان، وحزمة قصص لابنتي الأميرة.
 
الهرج يتصاعد في مشهد سوق أسبوعي، وصحون الكسكس المغربي تتوالى في المطعم/ المقهى، وأحاديث على الطاولات تنقل السامع بعيدا، وتشكي لا يتوقف من غلاء أحرق الجيوب.
 
يستوقفني أصدقاء يسألون عن التغطية الإعلامية، فأعتذر لأنني زائر قارئ، فيما آخرون يقترحون عناوين للقراءة، بينما أروقة أغلقت وذهبت تستريح في نهار الجمعة.
 
عشرات وعشرات من الندوات واللقاءات والمحاضرات، سويقة شعبية أم سوق ثقافي؛ تداخلت علي الصور واختلطت علي الأفكار: هل هذا ما يجب أن يكون أم يمكن تقديم معرض الكتاب بشكل أفضل؟
 
في طريقي للعودة ليلا صوب مدينتي سلا، أضواء السيارات وحدها من كسرت خيوط تفكيري، استرجعت ما شاهدت في يوم رغبت فيه أن يكون منعشا ثقافيا، ولكنني رجعت بصداع نصفي للرأس، وأسعفتني حبات لا تفارقني.
 
أعترف أنني وجدت مرض الرداءة أصاب معرض البيضاء، وحوله للا شيء إلا معرضا للكتاب يحتفي بالكتاب.
 
سألني من الأصحاب كثر عبر الهاتف، عن المعرض فرويت لهم ما شاهدته، وكان التأسف تعليقا مشتركا.
 
في المغرب، ضربت السياسات الثقافية للحكومات المتتالية، والانتهازية من وصوليين من المثقفين، عرسا ثقافيا سنويا، فحولته لسويقة شعبية، يمارس فيها ما يسيء للثقافة في وطن اسمه المغرب، وطن للأسف قلت فيه المقروئية، واستسلم العام للهاتف الذكي ولتطبيقات التواصل الاجتماعي.
 
وأما الكتاب الورقي؛ فهو لركن زينة في البيت، أو لصور للتباهي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
 
فيما التلاميذ الصغار، والمراهقون المندفعون، زوار فوق العادة عدديا، لسويقة الدار البيضاء الشعبية، المتهمة ظلما أنها معرض للكتاب.