بعد رحيل ميلود الشعبي.. حقائق لا تعرفونها عن “يينا هولدينغ”
مرت الآن قرابة سنتين على رحيل رجل الأعمال الشهير والمشاكس الحاج ميلود الشعبي الذي أسس مجموعته الاقتصادية "يينا هولدينغ" في سياق تنافسي مع الهولدينغ الملكي الذي يحمل اليوم اسم الشركة الوطنية للاستثمار المعروفة اختصارا ب"SNI".
فما الذي وقع داخل هذه المجموعة الاقتصادية الكبرى التي لها أذرع وفروع وأنشطة واستثمارات داخل الوطن وخارجه بعد هاتين السنتين اللتين تولت فيهما أرملة ميلود الشعبي زمام الإدارة والتسيير؟
أول تغيير وقع داخل "يينا هولدينغ" بعد رحيل الحاج ميلود الشعبي رحمه الله هو صعود نجم ابنه فوزي الشعبي الذي أصبح بين عشية وضحاها حاكما فعليا يحيي من يشاء ويميت من يشاء من إخوانه داخل هذه المجموعة الإقتصادية.
وفعلا، فالابن فوزي الشعبي، الذي كان دائما شبه مغضوب عليه من طرف الوالد حتى أنه نزع منه، ذات فترة، تسيير أسواق السلام، أصبح اليوم هو الآمر الناهي داخل هذه المجموعة التي تشغل أكثر من 20 ألف شخص.
وطبعا ما كان هذا ليحدث لولا الدعم الفعلي والكامل الذي تقدمه الأم ماما التجمعتي، أو "رئيسة الرئيس"، بتعبير الراحل ميلود الشعبي، إلى ابنها فوزي دون غيره من إخوانه.
بل إن الأم ماما التجمعتي باعتبارها الرئيسة المديرة العامة ل"يينا هولدينغ" عممت مذكرة داخلية تقضي بمنع جميع أبنائها، عدا فوزي، من الاطلاع على الأسرار المالية للمجموعة أو معرفة أي معلومة صغيرة أو كبيرة عن مطبخها الداخلي.
وبالطبع كان الابن محسن الشعبي أول المستهدفين من هذه المذكرة التي حولت أبناء الشعبي إلى مجرد مساهمين في شركة لها رئيسة مديرة عامة ومجلس إداري قد ينعقد مرة واحدة في السنة لتقسيم الأرباح ليس إلا.
ويبدو أن ارتفاع أسهم فوزي الشعبي لدى والدته ماما التجمعتي لم يبدأ مع وفاة الوالد ميلود الشعبي، بل بدأ قبل هذا التاريخ بفترة ليست بالقصيرة.
ولا بد أن أذكر أن صعود نجم الابن فوزي بدأ تحديدا عندما دخل الأب الشعبي في رحلات علاج لم تعد معها الدنيا تعني له أي شيء لأن الحاج ميلود كان وقتها قد بدأ يستعد للموت لا للحياة.
وينبغي الاعتراف أن فوزي كان الأذكى وعرف من أين تؤكل "الأكتاف الساخنة" خلافا لإخوانه الذين اكتفوا بالتفرج على ما يحدث أمامهم ولم يستعدوا بما يكفي لترتيبات ما بعد رحيل الوالد.
نعم لم ينتظر الابن فوزي وفاة الوالد ميلود الشعبي لكي يتحرك، بل إنه بدأ تحركاته مبكرا ودق كل الأبواب يمينا ويسارا، وعينه على تطبيع العلاقة مع السلطة، بل على "مصالحة " بين الجهات العليا وبين والده الذي كان وقتها على فراش الموت.
وبالفعل، فقد تمكن فوزي الشعبي، بحسب ما علم هذا الموقع الناشئ "آذار"، في نهاية المطاف من الجلوس، مرتين على الأقل، إلى مستشار ملكي نافذ.
وبالطبع، فقد اختتمت هذه الجلسات مع المستشار الملكي بما هو أهم وهو طي صفحة وبداية أخرى في مسار "يينا هولدينغ".
وتضمن جدول أعمال هذه الجلسات أيضا نقطا عرضية من قبيل فرضية استعطاف أو شبه اعتذار أو توضيح قد يكون "حرره" ميلود الشعبي من فوق سرير الموت حول علاقته بالأمير مولاي هشام وحقيقة "العطف المالي" عليه.
وربما بعث الراحل ميلود الشعبي، من خلال هذا الاعتذار التوضيحي، رسالة ضمنية مفادها أن علاقته مع الأمير مولاي هشام ليست علاقة مع أمير معارض لحكم ابن عمه، بل هي علاقة مع أمير ينتمي للأسرة الملكية التي تحظى باحترام جميع المغاربة.
ولأن الأمر كذلك، فقد جاء في الرسالة الضمنية أيضا أن هذا "العطف المالي" على الأمير من طرف ميلود الشعبي لم يكن تحت الطاولة بل كان فوقها في شكل شيكات علنية وبأرقام مالية معروفة القيمة والسقف والمصدر.
ولا داعي إلى سرد مزيد من التفاصيل لأن الأهم من هذا كله هو ما سيحدث فيما بعد داخل "يينا هولدينغ" بعد دفن جثمان الراحل ميلود الشعبي.
لقد حدث ما يشبه الانقلاب في كل شيء وتحولت هذه المجموعة الاقتصادية ذات "الخط السياسي" الداعم لحركة 20 فبراير والقريب من البيجيدي إلى مجموعة اقتصادية بلا هوية وبلا خارطة طريق في عالم المال والأعمال وغير متحمسة حتى لتلك الأعمال الاجتماعية التي كان الراحل ميلود الشعبي يوليها اهتماما خاصا.
وهكذا لاحظنا أيضا كيف شرع أبناء الشعبي بعد رحيل والدهم يقفزون الواحد تلو الآخر من أحزابهم السابقة ليركبوا جرار الأصالة والمعاصرة خلف "الأخ جبلووون" استعدادا لانتخابات 7 أكتوبر 2016.
وكلنا يتذكر في هذا المنحى كيف ترشحت الأخت أسماء الشعبي باسم "حزب الدولة" في الصويرة، فيما اضطر أخوها شفيق الشعبي، الذي توفي هذا الأسبوع الذي ودعناه، إلى تقديم استقالته من العدالة والتنمية بالقنيطرة لكي يترشح أخوه فوزي بهذه الدائرة.
والواقع أن شفيق رحمه الله كان قد استقال، في حقيقة الأمر، لكي لا يشوش على هذا "الخط السياسي الجديد" الذي دخلته المجموعة الاقتصادية مع فوزي ووالدته بعد رحيل الوالد.
وهو "خط" هدفه القطع مع مرحلة في مسيرة "يينا هولدينغ" لبدء مرحلة أخرى بعنوان عريض تغتسل فيه هذه المجموعة الاقتصادية من ماضيها الاحتجاجي المناهض للسلطة في عهد الرئيس المؤسس ميلود الشعبي.
ومن منا لا يتذكر يوم خرج الابن فوزي الشعبي رفقة والده الراحل ميلود الشعبي، إلى الشارع للتظاهر مع محتجي حركة "فبراير 20" والعدل والإحسان والنهج الديمقراطي ضد المخزن أو ربما لإسقاط المخزن نفسه وإسقاط فساده واستبداده.
ولأن فوزي يعرف جيدا أن للمخزن "ذاكرة جمل" لن تنسى له ماضيه الداعم لهذه الحركة بمياه "عين سلطان" وربما بما هو أكثر من هذا، فقد سارع إلى التبرؤ ولعن هذا الماضي في خرجاته الإعلامية وحملاته الانتخابية مع البام.
بل إن الرفيق فوزي صوب مدفعيته الثقيلة نحو العدالة والتنمية وأطلق تصريحات نارية ضد رموز هذا الحزب وقادته ونسب إلى حكومتهم كل مصائب الدنيا والآخرة فقط ليثبت للمخزن أن "يينا هولدينغ" بلا ماض احتجاجي وغير قريبة من بنكيران وصحبه.
وأتذكر أن هذه الخرجات الإعلامية لفوزي ضد البيجيدي أحرجت كثيرا أبناء الراحل ميلود الشعبي حتى أن واحدا منهم لعله محسن الشعبي اتصل بمسؤولين في "الحزب الإسلامي" ليعرب لهم عن استعداده للتبرؤ، علانية وفي مهرجان خطابي، من تصريحات أخيه فوزي، المهاجمة لإخوان بنكيران وحزبه.
بل إن البعض من أبناء الشعبي أصبح يرى في هذا "الخط السياسي الجديد" لمجموعتهم الاقتصادية كما لو أنه "عقوق" لوالدهم المعروف بعناده الشديد تجاه السلطة وبعدم الخوف على ثروته مهما كان الثمن.
وبالفعل، فقد كان الراحل ميلود الشعبي عنيدا وكان صاحب أفعال لا أقوال وكان جريئا ولو في في سياق سياسي صعب بخلاف ما هو معروف عن الأثرياء ورؤوس الأموال من جبن وتردد.
ولازال العاملون ب"يينا هولدينغ" يرددون، إلى حد الآن، مقولة شهيرة قالها ميلود الشعبي عندما ارتفع سقف المضايقات والدعاوى القضائية ضد مجموعته: "أنا لم أخف بالأمس من الجنيرال أوفقير أو إدريس البصري، فكيف أخاف اليوم".
بعض العارفين بمسار الشعبي عزوا هذا الهدوء وهذه الجرأة الملازمة له وعدم الخوف إلى كون الرجل لم ينس أبدا، وهو أغنى رجل في المغرب، أنه كان، ذات ماض، مجرد راعي ماعز.
ويشعر أبناء الشعبي حاليا بالندم والحزن والألم لأنهم وضعوا مجموعتهم الاقتصادية وتاريخها النقي وماضيها النضالي فوق ظهر "جرار" معطوب وبلا عجلات وبلا ماض وبلا حاضر وبلا مستقبل وبلا مناضلين أنقياء.
أكثر من هذا، فلم تعد عائلة الشعبي تخفي خيبة أملها وهي ترى كيف تبخرت تلك الوعود التي قدمت إلى الابن فوزي قبل انتخابات 7 أكتوبر.
أي عندما قال فوزي لإخوته في هذه "الوعود الوهمية" إن المجموعة الاقتصادية ستدخل عهدا جديدا ولن تواجه من الآن فصاعدا أي مشكل وستشتغل بدون عراقيل وفي وئام وانسجام مع السلطة وولاتها وعمالها.
لكن لا شيء تقريبا من هذه الوعود تحقق على الأرض باستثناء السماح لفندق "موغادور" بالدار البيضاء بالاشتغال بدون ترخيص في عز الحملة الانتخابية، وربما لا زال الابن فوزي يناضل حتى الآن من أجل هذا الترخيص الذي قد يأتي وقد لا يأتي.
وهذه قصة أخرى أحرج فيها عامل آنفا ومعه بعض الأجهزة الأمنية التي اضطرت إلى الاشتغال بطريقة ال"مانييل" على لوائح الضيوف الذين ينزلون في فندق غير مرخص له وغير مربوط مع النظام المعلوماتي الخاص بجهاز الاستعلامات العامة.
وهذا في نظري خطأ قاتل وما كان على السلطات المحلية أن تخرق القانون وتتساهل، بدوافع انتخابية، في أمر حساس وله علاقة بسلامة وأمن وأرواح الناس.
لماذا؟
لأنه وارد جدا مع نظام "المانييل" أن يتسرب إلى هذا الفندق "غرباء" أو "ضيوف" من طينة خاصة لن تنتبه إليهم الأجهزة الأمنية إلا بعد أن تقع الواقعة لا قدر الله.
ولا أفهم كيف أن السلطات عرضت حياة الناس إلى الخطر عندما سمحت لهذا الفندق بالاشتغال خارج القانون فقط لأن الزمن الانتخابي فرض هذا "النفخ" في جسد سياسي ميت.
المهم، سأغلق هذا القوس ولنعد الآن إلى هذا المأزق الذي دخلته "يينا هولدينغ" مع رئيسة جديدة حذرها بعض أبنائها في البداية من تحمل مهمة التسيير على رأس هذه المجموعة الاقتصادية لأن ماما التجمعتي كانت زوجة لميلود الشعبي ولم تكن خبيرة في إدارة المال والأعمال.
بل إن بعض أبناء الشعبي اقترحوا صراحة لا تلميحا على أمهم أن توكل مهمة تسيير المجموعة الاقتصادية إلى شخصية مؤهلة وذات خبرة وكفاءة من خارج العائلة لأن هذه المهمة هي أكبر من الأم ومن الابن فوزي أيضا.
وليس سرا أن الابن فوزي كان دائما خارج التغطية ومشغولا بحياته الخاصة ولم يكن يعرف أي شيء عن المجموعة الاقتصادية ولا عن أسرارها وأرصدتها البنكية لأن والده الراحل ميلود الشعبي لم يكن يشركه في أي شيء له علاقة بتسيير المجموعة.
وأزعم أن الابن الوحيد من أبناء ميلود الشعبي، المؤهل لخلافة والده في تسيير هذه المجموعة الاقتصادية المترامية الأطراف هو عمر الشعبي الذي كان أقرب الأبناء إلى أبيه، وكان الراحل قيد حياته يشركه في كل شيء له علاقة بتسيير شركات المجموعة وبعض خباياها.
وأقول بعض الخبايا لا كل الخبايا لأن الراحل ميلود الشعبي لم يكن يضع أمواله في الحسابات البنكية الخاصة بشركاته، بل كان يفضل أن يضعها في حسابات بنكية داخل الوطن وخارجه باسمه الشخصي.
وربما لهذا السبب سافر البعض من أبناء الشعبي بعد رحيل الوالد إلى الإمارات ومصر وفرنسا وبلجيكا في رحلة بحث شاقة عن هذه الأرصدة البنكية لأن الأم فضلت الصمت ولم تقل للأبناء أي شيء عن هذا الموضوع الحساس جدا.
وما أكثر الأشياء التي التزمت فيها ماما التجمعتي الصمت بعد رحيل ميلود الشعبي أو قدمت فيها روايات لم يصدقها الأبناء مثل فيلا العائلة التي تحولت ربما إلى ملكية شخصية باسمها.
لكن يحسب للأم أنها وزعت على أبنائها سيولة نقدية هامة كان نصيب كل واحد منهم ما قيمته خمسة ملايير سنتيم لا غير.
وكم كان لافتا للانتباه عندما تمت عملية توزيع هذه السيولة النقدية على أبناء الشعبي وفق القاعدة الفقهية المعروفة في قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين".






