“الوزيرة مولات لكتاف”.. يا ليت فاطنة الكحيل سكتت
وأعترف أني لم أعر، في البداية، أي اهتمام لذلك الفيديو الذي ظهرت فيه فاطنة الكحيل، وهي تدخل وتخرج في الكلام، مثل أي امرأة رفع عنها القلم أو قل مثل أي امرأة مازالت لم تبلغ بعد "الحلم" السياسي.
نعم لقد اعتقدت، والله يشهد، أن هذا الفيديو مفبرك من طرف بعض الكتائب الإلكترونية سامحها الله بهدف غير نبيل وهو الإساءة إلى هذه الوزيرة التي يبدو أن عقلها السياسي لازال لم يشتغل وفق التوقيت الحالي لمغرب محمد السادس.
وطبيعي أن يبدو لي الأمر كذلك لأني لم أكن أتوقع على الإطلاق أن تكون لنا وزيرة بهذا "الفراغ السياسي" القاتل للسياسة أو بالأحرى بهذا الدرك الأسفل من السياسة.
فأي صورة نريد أن نرسم للبلد عندما نرهب الناس بالإشاعات التي تدعوهم إلى التصويت على أصحاب الأكتاف الساخنة وتحذرهم من التصويت على أصحاب الأكتاف الباردة أو من لا أكتاف لهم؟
ثم ماذا سيقول العوام من الناس عندما يسمعون أن المرشح الفلاني له أكتاف و"ركائز" في الرباط، فيما غيره من المرشحين مجرد مخلوقات قطر بها السقف بلا "ركائز" ومقطوعين من شجرة وغير مدعومين من طرف الجهات العليا بالعاصمة؟
أكيد سيبدو البلد، والحالة هذه، بلا دستور جديد وبلا مؤسسات وبلا قانون يعلو ولا يعلى عليه، وبلا قضاء مستقل وبلا موطنين متساوين في الحقوق والواجبات.
صحيح أن الكحيل لم تكن تتحدث في هذا المهرجان الانتخابي بهذه الخلفية الرامية إلى إرهاب الناس وتخويفهم.
لكن كم وددت لو أن سعادة الوزيرة سكتت أو تحدثت بلغة الدستور الجديد والقانون الذي ينبغي أن تتساوى أمامه جميع الأكتاف مهما كانت درجة حرارتها ومهما كانت قريبة أو بعيدة عن الرباط.
والواقع أن الكحيل، أو "الوزيرة مولات لكتاف"، تحدثت كامرأة بسيطة بلا قضية وغير مؤطرة وبلا رؤية وبلا مذهب وبلا حزب وبلا ذخيرة بلا عتاد سياسي.
بل لا أبالغ إذا قلت إن السيدة تحدثت بخواء فكري وسياسي فظيع ودافعت عن "حتفها" وبدت أصغر بكثير من هذا المنصب الوزاري الذي "فوت" إليها في سياق ترضية أحزاب بعينها تعرف جيدا من أين تؤكل الكتف.
ولم تكتف الكحيل، في هذه الخرجة القاتلة للسياسية، بإطلاق النار على نفسها فقط، بل إنها أقحمت، في "هذيانها"، عزيز أخنوش الأمين العام للتجمع الوطني للأحرار دون أن يكون هناك ما يدعو إلى هذا الإقحام المجاني.
والمرجح في هذه القضية، كما قيل لي، أن زعيم الأحرار السي عزيز كان قد جامل فاطنة الكيحل في لقاء عرضي بدولة إفريقية ببضع كلمات قد تحتمل الكثير من المعاني السياسية لكن السيدة تشابهت عليها الألوان و"حطات السيد بوجهو" مثلما ما فعلت تلك التي "نوضوها تشطح.. دارتها بالصح".
ولا خلاف أن الكحيل "كحلتها" قولا وفعلا وأساءت إلى الذوق وإلى المعنى والمبنى وإلى أكثر من جهة داخل الدولة وخارجها بتلك التصريحات الرعناء والفاقدة للرصانة المطلوبة في مثل هذه اللحظات السياسية الصعبة.
ففي الوقت الذي تحدث ملك البلاد عن مفهوم جديد للسلطة مع بداية حكمه، ها نحن نرى كيف أن بعض سياسيينا لازالوا إلى حد الآن أسرى لفهم سلطوي قديم لمفهوم السلطة.
وبالتأكيد، فقد بدا المغرب، مع هذه النخب التي اختزلت السياسة في مجرد أكتاف ساخنة وأخرى باردة، كما لو أنه يتجه إلى الوراء لا إلى الأمام.
وأعترف أنه انتابني فعلا هذا الإحساس المخيف عندما سمعت الملك محمد السادس يدعو إلى "نموذج تنموي جديد" لأن النموذج التنموي الذي انخرطت فيه البلاد منذ 18 سنة قد اصطدم بالحائط.
بقي فقط أن أتساءل: ما العمل إذن لبناء نموذج تنموي جديد؟
لا جواب لي لأن هذا ليس ربما من اختصاص الصحافة والصحافيين.
لكن يبدو لي والله أعلم أن أول خطوة في بناء هذا النموذج الجديد المرتقب هي التخلص أولا وقبل كل شيء من هذه النخب القديمة المسؤولة عن تبديد المال والزمن على نموذج تنموي فاشل.






