الخبر من زاوية أخرى

هدية مجلس بنشماش.. قانون جديد لتكميم الأفواه

مصطفى الفنمصطفى الفن


هل يتجه المغرب نحو مزيد من الشفافية والحرية والدمقرطة لمؤسساته أم أن هذا البلد يتجه نحو مزيد من السلطوية والاستبداد وتكميم الأفواه؟
 
ليس مهما أن نجيب بنعم أو لا، لأن مهمة الصحافي هي أسمى من ذلك. أو قل إن مهمته هي أن يدق ناقوس الخطر قبل أن يقع لا قبل أن يفوت الأوان.
 
وفعلا، ينبغي أن نعترف أن قانون الحق في المعلومة الذي صادق عليه مجلس المستشارين، أو بالأحرى مجلس "الأصالة والمعاصرة"، قبل أسبوع، هو فعلا قانون خطير صاغته يد ترتعد من شدة الخوف.
 
وطبيعي أن تشعر هذه اليد بالخوف لأنها تخشى من الحرية والحكامة والمحاسبة، بل إنها تخشى أيضا أن تسأل ذات يوم عن مصدر ثرائها المفاجئ والفاحش أيضا.
 
ولأن الأمر كذلك فقد صودق على هذا القانون بتعليمات من خارج بناية هذه المجلس بهدف واحد لا ثاني له وهو تكميم الأفواه وخنق الحريات والتضييق على الأصوات المستقلة في بلد لا ينتج أي شيء وبلا بترول وبلا غاز وبلا ثروات.
 
نعم إن هذا القانون لم يكتف بتجريم نشر أسرار الدفاع الوطني، بل جرم حتى مجرد نشر مداولات مجلس وزاري أو مجلس حكومي أو مداولات لجنة برلمانية حول هموم وقضايا المواطنين.
 
وهذا في نظري انتهاك صريح ومس فظيع بالخيار الديمقراطي كثابت دستوري. وهو أيضا تأويل سلطوي للوثيقة الدستورية نفسها من طرف حزب سيطر على هذا المجلس وحوله إلى بوابة نحو الاغتناء الغامض والترقي الاجتماعي والقطع مع سنوات الجمر والفقر. 
 
وهكذا يتأكد بالملموس أن ممثلي الأمة في هذا المجلس هم ربما أعداء حقيقيون لهذه الأمة وأعداء أيضا للشفافية والوضوح عندما يتعلق الأمر بوضع قوانين تهم هموم الناس وقضاياهم العادلة والمشروعة.  
 
وكان لافتا للانتباه أن قانونا بهذه الحساسية وبهذه الخطورة لم يعره ممثلو الأمة أي اهتمام، ومر في صمت ب33 صوتا مقابل ثلاثة معارضين وامتناع ثمانية أعضاء عن التصويت من أصل 120 مستشارا برلمانيا تحولوا إلى عبء مالي ثقيل على ميزانية هذا المجلس.
 
 ولا أبالغ إذا قلت إن الأمر يتعلق بفضيحة مدوية أن يتم التصويت على نص تشريعي استراتيجي يهم الدولة والمجتمع معا، بهذا العدد القليل جدا من المستشارين البرلمانيين.
 
 بل يمكن القول ان التصويت على هذا القانون بهذا الحضور الهزيل قد أفرغ أحكام هذا الحق الدستوري من جوهره وأصابه في مقتل حقيقي.
 
وهذا التصويت يؤكد أيضا أن الحزب المعلوم، الذي يعد "القوة الأولى" في الغرفة الثانية للبرلمان، يمتلك غريزيا مهارة فرض مثل هذه القيود خشية أن تطال رموزه وأثرياءه الجدد أشعة الشمس، ولا يهمهم أن يتضرر البلد أو سمعة البلد.
 
والمثير أكثر هو أن هذا التصويت/الفضيحة يأتي بعد مرور أيام قليلة على جرجرة رئيس مجلس المستشارين، حكيم بنشماس غير الحكيم، لأربعة صحافيين مهنيين أمام المحاكم لأنهم نشروا معلومات صحيحة عن عمل لجنة برلمانية يرأسها مستشار برلماني مشكوك في مصدر ثروته المفاجئة. 
 
أكثر من هذا، فهذا الحق في الوصول إلى المعلومة تحول إلى قانون المنع من الوصول إلى المعلومة.
 
وفعلا إن الأمر كذلك لأن هذا القانون لا يعدو أن يكون  في الواقع سلة مملوءة بالممنوعات والمحرمات والاستثناءات.
 
صحيح أننا قد نتفهم أن يمنع هذا القانون نشر معلومات عن الدفاع الوطني أو الأمن الداخلي أو الخارجي أو البيانات عن الحياة الخاصة والشخصية. 
 
لكن أن يصل سيف المنع إلى حد تجريم نشر معلومات قد تؤثر على العلاقات مع دولة أخرى أو منظمة دولية أو على السياسة النقدية أو الاقتصادية أو المالية للبلد فهذا في نظري هو الحجر بعينه على الناس والوصاية عليهم.
 
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل القانون يمنع أيضا حتى الوصول إلى المعلومات والبيانات عن عمل المجلس الوزاري والحكومة والبرلمان على الرغم من  أن هذه المعلومات تهم مباشرة الحياة اليومية لكل المواطنين الذين صوتوا بأغلبية مطلقة على دستور 2011.
 
 فبمقتضى هذا القانون الجديد، الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسيمة، ستصبح العديد من المعلومات والمعطيات والبيانات سرية وغير قابلة للتداول في المجتمع عبر آلياته المعروفة كما لو أن الوزراء والبرلمانيون يشتغلون في مصنع نووي لكوريا الشمالية.
 
  وتناسلت قائمة الممنوعات في هذا القانون لتصل إلى منع نشر أي معلومة عن التحقيقات الإدارية والإجراءات القضائية كما لو أننا بلد آخر بلا هيئة إنصاف ومصالحة وبلا مدونة للأسرة وبلا دستور جديد.
 
إنه منحى خطير اختارته غرفة بنشماش عندما صوتت على قانون سيكون له ما بعده على سمعة البلد لدى شركائنا الدوليين الاستراتيجيبن ولدى كل الهيئات الحقوقية في الداخل والخارج.
 
وأول هؤلاء الشركاء الاستراتجيين هو الاتحاد الأوروبي الذي منح المغرب "وضعا متقدما" بموجب اتفاقية شراكة منذ 2008.
 
وأكيد أن الاتحاد الأوروبي، الذي دخل مع المغرب منذ سنوات في مشاريع تقريب القوانين وملاءمتها مع متطلبات هذه الشراكة، لن يسكت على هذا الدرك الأسفل الذي نزل إليه مجلس حكيم بنشماش وهو يصوت على قانون من القرون الوسطى.
 
لقد نسي بنشماش، الرجل الرابع في هرم الدولة، أن الشريك الأوروبي الذي يقدس الحق في الولوج إلى المعلومة، لن يلتزم الصمت في هذه القضية وقد يفاجئنا  البرلمان الأوروبي في القريب العاجل بموقف غير متوقع.
 
وطبيعي أن يقع هذا الذي هو أسوأ لأن صانع القرار الأوربي بالعاصمة بروكسيل لا يريد شريكا مغربيا يتستر على رموز الفساد والثروة المشبوهة، بل يريد شريكا مغربيا ينتصر للحكامة ولصناديق الاقتراع الشفافة.