الخبر من زاوية أخرى

“ولد زروال” يظهر في مجلس المستشارين ويجرجر أربعة صحافيين أمام المحاكم

مصطفى الفنمصطفى الفن


كلنا يتذكر أن ملك البلاد رفض أكثر من مرة أن يلجأ إلى القضاء في مواجهة صحافة وصحافيين مسوا بالاحترام الواجب له.

وهذا ما علمناه أيضا، بصريح العبارة من الوزير السابق في العدل والحريات مصطفى الرميد في حالات محددة.

فماذا يعني هذا؟

هذا معناه أن أعلى سلطة في البلاد تفضل أن تتعامل بسمو وتسامح مع أخطاء مفترضة قد يقع فيها الممارسون لمهنة المتاعب.

 وأزعم أن هذا التسامح الملكي مع الصحافة نابع ربما من اقتناع شخصي لجلالته أن الصحافة ليست مهنة فقط.

 إنها أيضا شريكة للدولة في التسريع والدفع بقارب الإصلاحات الكبرى وأوراش التنمية التي انخرطت فيها البلاد رغم وجود بعض الإخفاقات.

ثم إن أي بلد بلا صحافة جادة تحذر وتنبه وتدق ناقوس الخطر قبل أن يقع، فهو أكيد بلد يتجه نحو المجهول إن لم نقل إنه بلد بلا خارطة طريق وربما قد يتجه نحو حتفه.

صحيح أن هناك وجهة نظر، تخترق مؤسسات الدولة ومختلف النخب المحافظة، ما زالت تؤمن إلى حد الاعتقاد أن المغرب يمكن أن يعيش بلا صحافة وبلا أحزاب مستقلة وبلا أصوات معارضة وبلا جمعيات حقوقية وبلا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبلا أسبوعية مثل "لوجورنال"..

نعم مازال بيننا من يريد تنميط المغرب ليعيش فقط بقنوات القطب العمومي ووكالة المغرب العربي للأنباء وصحف "ماروك سوار" ومسيرات ولد زروال وبرامج التيجيني والتحليلات السياسية للصديق العزيز منار اسليمي.

وهذا له تفسير واحد لا ثاني له وهو أن العديد من النخب المغربية لازالت غير قادرة على التقاط "الإشارات العليا" في التعامل الراقي مع سلطة مضادة اسمها الصحافة التي لا يمكن الاستغناء عنها في معركة الديمقراطية كخيار ثابت من غير رجعة.

لكن لله ما أعطى ولله ما أخذ.

وفعلا، لقد أعطانا الله تعالى نخبا بلا عمق ومقطوعة من شجرة ولا تهمها الإشارات العليا أو السفلى.

ولأن وطننا بهكذا نخب، فقد تابعنا هذه الأيام "جنازة" حقيقية بطلها هذا "البؤس" الذي اخترق مؤسسات الدولة ومفاصلها وأعاق حركتها نحو ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.

وأقصد هنا هؤلاء الذين رفعوا "خردة" من الدعاوى القضائية ضد أربعة صحافيين دفعة واحدة قبل أن يتبرؤوا من دعاويهم مثلما فعلت وزارة الداخلية في عهد حصاد مع مسيرة "ولد زروال" التي تظاهر فيها الناس ل"طرد بنكيران من الصحراء".

نعم، الجميع تبرأ من هذه الدعاوى القضائية ضد الصحافيين الأربعة: عبد الحق بلشكر من "أخبار اليوم" ومحمد أحداد من "المساء" وكوثر زكي وعبد الإله سخير من "الجريدة 24".

وهكذا أصبحت هذه الدعاوي بلا نسب وبلا أب شرعي يواري سوءتها قبل أن تتجه أصابع الاتهام في نهاية المطاف إلى "ولد زروال".

وهذا هو الظلم بعينه أن ننسب إلى "ولد زوال" كل ما هو بئيس فقط، علما أن هذا الرجل طيب وذو حس اجتماعي عال ويوزع أضاحي العيد على الأرامل من النساء ولا يذكره فقراء دكالة إلا بكل خير.

ثم ما معنى أن تتحول مؤسسة دستورية بكاملها، مثل مجلس المستشارين، إلى ذراع سياسي بيد بضعة "رهط" يفسدون ولا يصلحون ويمارسون البلطجة والعبث باسم الدولة ويجرجرون صحافيين أمام المحاكم فقط لأنهم أنقى منهم وأشرف منهم ونشروا أخبارا صحيحة.

ويا ليت الهدف كان نبيلا من رفع هذه الأطنان من الدعاوي القضائية.

 بل الهدف كان هو "ضبط" بنكيران "متلبسا" بتسريب مداولات لجنة برلمانية حول صندوق التقاعد ترأسها شخص لا أحد يعرف كيف تسرب هو شخصيا إلى مجلس المستشارين أو الجهة التي تكفلت بتسريبه.

والحقيقة أن رفع هذه الدعاوي القضائية ضد هؤلاء الصحافيين الأربعة هو قرار حزبي بئيس اتخذ قراره خارج بناية الغرفة الثانية أما موقعو الشكاية أو ومحرروها فمجرد آلة تنفيذ يطلبون الحماية خوفا من النبش في ملفاتهم وممتلكاتهم وثرواتهم المفاجئة.

وطبعا، ليست هذه أول مرة ينزل فيها الأمين العام غير المستقيل للأصالة والمعاصرة إلياس العماري بثقله إلى مجلس المستشارين ليخوض من خلف الستار حروبه الصغيرة ضد بنكيران ولو بجرجرة أربعة صحافيين أمام القضاء لم يرتكبوا أي جريمة.

لقد سبق لإلياس، في واقعة مماثلة، أن ضغط بقوة على الميلودي موخاريق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل من أجل تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول احتجاجات الريف.

وقال إلياس، وقتها، لموخاريق إن هذه اللجنة ينبغي أن تترأسها نقابته من خلال تمثيلتها بمجلس المستشارين بهدف واحد ووحيد وهو تحميل مسؤولية احتجاجات الريف إلى بنكيران.

وجاء في تفاصيل هذه القضية، التي لازال شهودها أحياء يرزقون، أن إلياس اتصل بموخاريق وزعم ابن الريف أن جهات عليا ذكرها بالاسم هي التي طلبت منه أن يتصل به ليخبره بهذا الأمر العاجل الخاص بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول الريف.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن إلياس كان يتحدث في هذا الاتصال الهاتفي مع موخاريق بغير تحفظ وبلغة غاضبة لا تخلو من أوامر غير قابلة للنقاش.

أكثر من ذلك، فقد بلغ الغضب الممزوج بالهذيان بإلياس إلى حد أن قال لموخاريق "هذاك بنكيران خاص دينمو يمشي الحبس".

ولأن موخاريق يعرف جيدا طقوس وقنوات دار المخزن في كيفية التواصل مع نقابته، فقد جارى هذا الهذيان بالتي هي أحسن إلى أن هدأ واتخذ شكل "مناظرة وطنية فاشلة" قاطع أشغالها جميع زعماء الاحتجاجات بالريف.

ولا تهم باقي التفاصيل في هذه القضية.

المهم، ينبغي الاعتراف أن هذه الدعاوي القضائية المرفوعة ضد الصحافيين الأربعة لن تسئ لأولئك الذين رفعوها فقط.

أقول هذا ولو أن إلياس ومن معه لم يعد يهمهم أن يتحدث الناس عنهم بالسوء أو يتحدث الناس عن ثرواتهم الغامضة وفيلاتهم الفاخرة وإكرامياتهم السمينة وترواثهم العابرة للحدود وأبنائهم المدللين.

فإلياس وهؤلاء الذين جرجروا الصحافيين أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وأمام المحاكم لأسباب تافهة وصغيرة هم أنفسهم أصبحوا يعترفون أنهم أسسوا حزبا هو بمثابة "قلعة فساد" غير قابل للإصلاح.

وليس هذا فحسب، فالخطير في مثل هذه الدعاوي القضائية المرفوعة بلا سبب هو أنها تسيء إلى الوطن وإلى سمعته الحقوقية وتسيء أيضا إلى الحزب الحداثي التي رفعها وإلى قانون الصحافة الخالي من العقوبات الحبسية وتنسف نسفا كل ما بذلته بلادنا من مجهودات في بناء دولة الحق والقانون.

وبلا شك، سيبدو المغرب، مع مثل هذه المحاكمات الانتقامية والمضرة بصورة المغرب في الخارج، كما لو أنه بلد  لا يختلف عن أي دولة بلا مؤسسات وبلا دستور جديد وبلا قضاء خاصة أن هذا البؤس المحلي، الذي يقع عندنا هنا، توثقه أيضا السفارات والبعثات الأجنبية المعتمدة بالمغرب بالنقطة والفاصلة.