الخبر من زاوية أخرى

الديبلوماسية المغربية في إفريقيا.. الإخفاق الكبير

مصطفى الفنمصطفى الفن


لا أحد يشكك في الرصانة والرزانة التي تنجز بها مجلة المال والأعمال "إيكونومي أي أنتروبرير"، لمالكها حسن العلوي نجل قيدوم الصحافيين المغاربة مصطفى العلوي ناشر أسبوعية "الأسبوع الصحفي"، أعمالها وملفاتها الصحفية.
 
المجلة الرصينة خصصت عددها الشهري مع مطلع السنة الجديدة لملف ساخن من سبع صفحات حول ما أسمته في عنوان عريض على صدر صفحتها الأولى "الإخفاقات العشرة" لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
 
المجلة تساءلت أيضا، بصيغة استنكارية، في عنوان فرعي جاء فيه: كيف تحول ملف انضمام المغرب إلى المجموعة الإقتصادية لدول "سيدياو" من مكسب مسبق كما تم تقديمه للملك إلى كابوس؟!
 
لكن يبقى أهم ما جاء في هذا الملف الناري هو مضامين افتتاحية كتبها حسن العلوي الذي لم يتردد في القول إنه حان الوقت ربما لأن يعيد المغرب النظر في سياسته نحو إفريقيا بعد هذا الإخفاق في الانضمام الى المجموعة الإقتصادية لدول غرب افريقيا.
 
ولم يقف العلوي عند هذا الحد، بل إنه حمل مسؤولية هذا الإخفاق الكبير الذي مني به المغرب في إفريقيا إلى ديبلوماسية ناصر بوريطة؟
 
لكن لماذا ديبلوماسية بوريطة تحديدا؟
 
لأن ديبلوماسية الرجل، بحسب العلوي، بالغت في التقدير في نظرتها إلى العلاقات الشخصية التي تربط الملك محمد السادس بزعماء ورؤساء العديد من الدول الإفريقية.
 
وليس هذا فحسب، بل إن ديبلوماسية بوريطة، يقول مالك المجلة، قللت وبخست من الديمقراطية المحلية لدول هذه المجموعة الاقتصادية الإفريقية ولا سيما الجهاز التكنوقراطي للعاصمة النيجيرية أبوجا.
 
وفعلا لا يملك الإنسان إلا أن يعلن اتفاقه طولا وعرضا وبلا ذرة تحفظ مع كل ما جاء في هذا الملف الذي سلط الضوء بدقة عالية على مختلف الزوايا الميتة والمظلمة للدبلوماسية المغربية بالقارة السمراء.
 
دعونا نعترف ابتداء أن هذا الإخفاق في الانضمام إلى هذه المجموعة الإقتصادية أضر بالديبلوماسية المغربية التي يعد ملك البلاد هو رئيسها الفعلي.
 
بصيغة أخرى أكثر وضوحا. فهذا الإخفاق أضر في حقيقة الأمر بالديبلوماسية الملكية لأن ملك البلاد لم يخبر بأن انضمام المغرب إلى دول "سيدياو" لم يعد نقطة في جدول أعمال قمة "أبوجا" إلا في الوقت الميت.
 
أي بعد أن اتخذت جميع الترتيبات الممهدة لحضور الملك شخصيا إلى هذه القمة التي كان ينتظر أن يعلن  فيها عن انضمام المغرب إلى هذه المجموعة الاقتصادية المتكونة من 15 دولة إفريقية وعدد سكان يصل إلى 350 مليون نسمة.
 
بل كان سيصبح الناتج الداخلي لهذه المجموعة الاقتصادية لو التحق بها المغرب ما قيمته 700 مليار دولار بموقع استراتيجي يتمثل في الحدود مع دول أوربا.
 
نعم كل الترتيبات اتخذت لحضور الملك إلى "أبوجا" لا سيما بعد الدعوة التي وجهها رئيس نيجيريا إلى العاهل المغربي.
 
وتواصلت هذه الترتيبات عبر كل أشكال التنسيق اللوجيستيكي والسياسي والأمني والإعلامي مع كل الجهات المعنية بالرحلة الملكية إلى "أبوجا" قبل يتحول كل شيء إلى سراب.
 
فلاحظوا، والحالة هذه، كيف أن ديبلوماسيتنا المغربية أخفقت حتى في الحصول المبكر على معلومة بسيطة وهي أن المغرب لن ينضم إلى مجموعة دول "سيدياو".
 
وقع كل هذا الاستخفاف كما لو أن المغرب بلا سفراء في هذه الدول الإفريقية وبلا عيون تراقب عن بعد ما قد يضر الوطن أو يسيء إليه.
 
أكثر من هذا، لا أفهم مثلا كيف أن وفدا من الاتحاد العام لمقاولات المغرب قضى أكثر من شهرين في هذه الدول الإفريقية والتقى مع  "باطروناتها" ورجالها في المال والأعمال تمهيدا للزيارات الملكية دون أن يتمكن من معرفة حقيقة موقف "الباطرونا" الأفارقة من انضمام المغرب إلى "سيدياو".
 
وطبعا، لا خلاف أن الأمر يتعلق بإخفاق قاتل عندما تفشل ديبلوماسية بوريطة حتى في تحصين ما هو مكتسب من علاقات جيدة وروابط روحية وتاريخية منذ عهد المرابطين مع دول صديقة وشقيقة مثل السنيغال.
 
وامتد هذا الإخفاق ليشمل أيضا تفريط وزارة بوريطة في ما هو أهم وهو رصيد الإنجازات التي راكمتها الديبلوماسية الملكية طيلة 15 سنة من الاهتمام والانفتاح على إفريقيا من خلال زيارات ملكية نزل فيها الملك إلى الشوارع في أكثر من دولة إفريقية بدون برتوكول وسط حشود غفيرة من الناس.
 
والواقع أن وزيرنا في الخارجية المغربية باع الوهم وتعامل مع دول إفريقية معروفة بصداقتها المتينة مع الرباط ليس بالحرفية المطلوبة وليس باللغة الديبلوماسية التي تنتصر للمصالح المشتركة بين الدول.
 
وزيرنا في الخارجية تعامل مع هذه الدول الإفريقية الصديقة والداعمة لقضايانا كما لو أنها امتداد للتراب المغربي وليست دولا لها مصالح ولها مجتمع مدني ضاغط ومؤثر ولها رجال أعمال ومقاولون ينبغي أن تدافع عنهم.
 
 وهذا ليس له إلا معنى واحد وهو أن وزارة بوريطة أساءت قولا وفعلا إلى الديبلوماسية الملكية وتسببت لها في جرح غائر وغير متوقع ستحتاج معه ربما إلى زمن طويل لكي يترمم.
 
إذن ما العمل الآن ونحن نراكم مثل هذه الإخفاقات التي عجزت معها الديبلوماسية المغربية عن الحفاظ حتى على مكتسبات وإرث تقليدي هام من العلاقات الجيدة مع دول إفريقية عديدة؟
 
لا أملك جوابا شافيا عن هذا السؤال، لكن أكاد أجزم أن هذا المنصب الذي أسند إلى السي ناصر بوريطة هو منصب أكبر منه. 
 
وهذا ليس تحاملا على الرجل أو أنني "كاري حنكي" لجهة ما تريد أن تصفي حساباتها الضيقة أو الصغيرة مع ابن تاونات.
 
وأنا عندما أقول إن منصب وزير خارجية هو منصب أكبر من بوريطة فلأني أومن أن الديبلوماسية ليست مهنة نتعلمها. 
 
لا.
 
الديبلوماسية موهبة ومنحة ربانية تنزل من السماء قبل أن تكون مهنة أو منصبا. 
 
وهذا معناه أن الاستعانة بسفراء وديبلوماسيين بلا موهبة وبلا ملكة إبداع ملهمة ومنتجة للأفكار هو مجرد تبديد للمال العام ليس إلا.
 
صحيح أن بوريطة هو الآن وزير خارجية للمغرب لكن قيل لي والله أعلم إن الرجل لازال يسير الوزارة بعقلية الكاتب العام.
 
 أي أن سعادة الوزير  لازال يولي اهتمامه الأول ليس للديبلوماسية والقضايا الكبرى للوطن وإنما يولي الاهتمام لما هو إداري صرف كعطل الموظفين وإجازاتهم وما يحتاجونه من أدوات مكتبية.
 
بقي فقط أن أقول. حسنا فعل سفيرنا في رومانيا فاضل بنيعيش، زميل الملك محمد السادس في الدراسة بالمدرسة المولوية.
 
 السيد تأكد أنه بالفعل بلا موهبة في العمل الديبلوماسي وتأكد أيضا أنه لا يصلح لمثل هذه المهام الصعبة الموجعة للرأس. والدليل هو حصيلته الديبلوماسية صفر إنجاز على رأس السفارة المغربية ببلده الثاني إسبانيا.
 
ولأن الأمر كذلك فقد "تمرد" بنيعيش على قرار تعيينه برومانيا البعيدة عنا واختار "الاعتصام" بإقامته هنا بالرباط وليقع ما يقع.