الخبر من زاوية أخرى

هكذا “يقتل” العثماني السياسة والحماس في الأنفس

مصطفى الفنمصطفى الفن


عندما نشرنا، أول أمس الجمعة، تفاصيل أول "خرجة تنظيمية" لسعد الدين العثماني عقب انتخابه أمينا عاما جديدا للبيجيدي مع شباب حزبه، كنا نعتقد أننا قمنا بعمل مهني صرف وفق ما تقتضيه أخلاقيات هذه المهنة لا أقل ولا أكثر.
 
بل كان اعتقادنا، والله يشهد، أننا قدمنا خدمة عمومية جليلة لرأي عام متعطش للمعلومة الدقيقة حول التدبير الحكومي لشؤون الوطن والمواطنين بدون أي نية إساءة أو تجن أو اعتداء أو تضليل أو تحريف لـ"الكلم عن مواضعه". 
 
وفعلا، هذا بالضبط ما قمنا في هذا الموقع الناشئ "آذار" وقاه الله من كل شر ومن كل حاسد إذا حسد. 
 
وبالطبع نقلنا بأمانة وبدقة ما جاء تقريبا بالحرف على لسان رئيس حكومتنا السي سعد الدين العثماني حتى وإن حاول نفي ما لا ينفى من معلومات ثابتة ومؤكدة ومستقاة من أكثر من مصدر.
 
والحقيقة أننا سمينا الأشياء بمسمياتها وسمينا القطة قطة ولو أننا قلنا أشياء وتعففنا عن أخرى لأننا لسنا مرضى حتى نتلذذ بإطلاق النار على "سيارة إسعاف حكومية" بسائق بلا بوصلة اسمه سعد الدين العثماني.
 
ولا بأس أقول. عندما نزل مقالنا على موقع "آذار" بكل تلك المعلومات الصادمة وبتلك الدقة العالية حول ما قاله العثماني عن التقدم والاشتراكية وعن وزيره الحسين الوردي وعن العفو الملكي على شباب الفايسبوك وعما قاله الملك في هذه الواقعة وعن الصحافي توفيق بوعشرين وعن غيرها من القضايا ..
 
نعم عندما نزل هذا المقال بهذه الدقة وبهذه المعلومات الصحيحة صحة "صحيح البخاري" فقد تحركت الهواتف من محيط العثماني ليس لنفي ما كتبناه.
 
لا.
 
بل إن هذه الهواتف تحركت لـ"استنطاق" الشباب الحاضرين في هذا اللقاء الحزبي المغلق لمعرفة من سرب تفاصيله إلى صحافي اسمه مصطفى الفن وإلى موقع إلكتروني مغمور اسمه "آذار".
 
ولأن ما كتبناه كان في منتهى الدقة، فقد ساد الاعتقاد لدى بعض هؤلاء الشباب الذين حضروا لقاء العثماني أننا نحن أيضا إما كنا حاضرين معهم وإما أن "أصحاب الحال" سربوا إلينا التسجيل الكامل لهذا اللقاء بالصوت والصورة.
 
وليس هذا فحسب بل إن هؤلاء الشباب تداولوا ما كتبناه فيما بينهم بنضج وبمسؤولية وقال بعضهم لبعض في مجموعة للواتساب "لو طلب منا نحن الذين حضرنا هذا اللقاء أن ننجز تقريرا حول ما قاله العثماني، ما كنا لننجزه بهذه الدقة العالية التي أنجز بها مقال "آذار"". 
 
ولا أريد أن أعطي المزيد من التفاصيل في هذا المنحى لأن هدفي ليس هو أن أدافع عن نفسي لإثبات ما هو ثابت أصلا. 
 
فليست هذه أول مرة أكتب فيها عن الشأن الداخلي لأقوى حزب سياسي في المغرب أزعم أني أعرف كيف تشتغل ماكينته بشقيها الدعوي والسياسي. 
 
  وليس هدفي أيضا هو إحراج العثماني الذي يبدو أنه في وضع نفسي صعب أو قل إنه في وضع لم يعد معه قادرا على أن يتحدث بكل ما يفكر فيه أو بالأحرى لم يعد يتحدث بكلام يشبه ذاته منذ أن وضع على رأس حكومة بتلك التركيبة السداسية.  
 
 و"يقينا" أن العثماني هو بهذا الوضع النفسي الصعب. ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان للطبيب النفسي أن يمرمد حليفه الشيوعي يوم السبت، ثم في الخميس الموالي، يستضيف أمينه العام نبيل بنعبد الله بمقر العدالة والتنمية ليتغزل فيه وفي الشراكة معه.
 
لا أريد أن أصف مثل هذا "التصرف" بـ"الفصام" ولو أن الأمر قاب قوسين أو أدنى من أن يكون كذلك.   
 
 ولن أذيع سرا إذا قلت إن هناك أصواتا من البيجيدي ومن قادته الكبار لم تعد تتردد في القول ان العثماني لم يعد يقنعها، وربما هناك من فكر في الإستقالة من الحكومة احتجاجا على هذا الأداء غبر المقنع.
 
وفعلا فالرجل، كما قيل لي، يشتغل بلا فريق عمل وبلا مساعدين ولا يستشير مستشارا ولا يشرك أحدا في قرار أو في معلومة حتى لو لم تكن لها أهمية أو سرا من أسرار الدولة.
 
 بل إن السي العثماني الذي أكن له كل التقدير والاحترام يخشى كثيرا أن تضيع منه الملفات الكبرى في منتصف الطريق. 
 
وربما لهذا السبب يشتغل لوحده في قضايا لا يمكن أن تنجز إلا إذا اجتمع لها الناس.
 
 وطبعا عندما يشتغل أي مسؤول حكومي بهذه الوتيرة وبهذا الإيقاع الضاغط في واقع سياسي مغربي يحتكم إلى دستور غير مكتوب، فأكيد أنه سيفقد نفسه وسيفقد معها خارطة الطريق وسيفقد حزبه وإخوانه وحلفاءه.
 
من هنا ينبغي التماس العذر لمسؤول سياسي اسمه العثماني الذي لم يعد ربما قادرا على التمييز بين "تصرفاته" بالحكومة و"تصرفاته" بالأمانة العامة لحزب سياسي بلا روح وبلا حماس وبلا عبد الإله بنكيران.
 
   لكن، كم وددت لو أن العثماني التزم الصمت ولم يكذب نفسه بذلك "التكذيب" الذي جاء ليؤكد كل ما قلناه في مقالنا.
 
فماذا قال في هذا التكذيب؟ 
 
لا شيء سوى أن الرجل انشغل بجزئية صغيرة في بحر من المعلومات الثابتة لم يستطع نفيها.   
 
 وأكيد لو التزم العثماني الصمت لكان خيرا له ولأولئك الشباب الذين وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسد عليه حتى أن أحدا منهم خرج عن صمته وقال الفم المليان  "إن أميننا العام كذب ثم ماذا سنفعل لو أن الصحافي نشر التسجيل".
 
والواقع أن هذا الذي فعل العثماني، وهو يكذب نفسه بنفسه، هو ليس فقط قتلا لمعنى السياسة في وطن لم يعد فيه معنى للسياسة. 
 
هذا الذي فعل العثماني هو أيضا قتل غير رحيم للحماس واغتيال للأمل في نفوس هؤلاء الشباب الذين آمنوا بالتغيير في ظل الاستقرار ومن داخل المؤسسات لا من خارجها.
 
وأعرف أن العديد من هؤلاء الشباب أصيبوا بالإحباط لأنهم لم يتقبلوا ألا يمتلك أمينهم العام الجديد الشجاعة ليدافع علنا عما قاله سرا كما كان يفعل سلفه بنكيران.
 
وأتوقع أن تنزل أسهم العثماني إلى الحضيض في القادم من الأيام لأن الرجل عجز عن انتزاع ثقة أقرب الناس إليه وهم شباب الحزب فكيف سينتزع ثقة أبعد الناس منه وهم هؤلاء المواطنون الذين لازال كثيرون منهم يترحمون على زمن بنكيران.
 
 ولا أفهم كيف رضي العثماني أن يرميه شبابه بالكذب فقط لئلا يخسر حليفا سياسيا عابرا في حكومة عابرة رغم أن قيادة التقدم والاشتراكية لم تأخذ نفيه على محمل الجد.
 
بمعنى أن العثماني خسر هنا خسرانا مزدوجا. خسر شباب حزبه وخسر حليفا في حكومته.
 
ومع ذلك، لا بد أن أقول وأنا أنهي هذا الرد الذي لم يكن هناك داع إليه لو، وفقط لو، أن العثماني أعفانا وتفرغ للقضايا الكبرى للوطن والمواطنين بدل التفرغ لمهاجمة الصحافة وتسفيه الصحافيين.
 
نعم لا بد أن أقول إن الصحافة ليست فقط شريكا أساسيا للدول في كل الإصلاحات الكبرى التي تنقل البلدان من حال إلى حال.
 
الصحافة هي أكبر من كل هذا. إنها القاطرة في أي معركة من أجل التنمية والانتقال إلى دولة المؤسسات القوية والديمقراطية الحقة. 
 
وكم هو مؤسف أن يمارس رئيس حكومتنا الموقرة الوصاية والحجر على شباب في أول العمر ليحدد لهم عناوين صحف صادقة وأخرى كاذبة، بل إنه يتباهى بأنه يجهل صحف بلاده ولا يقرأها.