الخبر من زاوية أخرى

حكاية “الضربة الغادرة” التي لن ينساها بنكيران

مصطفى الفنمصطفى الفن


انتهى المؤتمر الوطني الثامن للعدالة والتنمية قبل أن يبدأ عندما تدخل أمينه العام عبد الإله بنكيران، صباح أمس، بقوة ومنع أنصاره من تناول الكلمة أو نقاط نظام داعمة للولاية الثالثة.

وبالطبع فقد جاء مؤتمرون كثر إلى هذه المحطة الحزبية بهدف وضع رئاسة المؤتمر وتيار الاستوزار وكل المعارضين للتمديد أمام الأمر الواقع.

والأمر الواقع بالنسبة إلى هؤلاء الغاضبين الآتين من كل فج عميق هو أن المؤتمر سيد نفسه وأن القوانين الداخلية للحزب تقول بصريح العبارة "إن بنكيران لم يمض إلا ولاية واحدة على رأس البيجيدي وفقا للمادة 105 من قانونه الأساسي لسنة 2012".

غير أن زعيم البيجيدي كانت له وجهة نظر أخرى مخالفة لأنصاره إيمانا منه "أن المحلوبة حليب والمعصورة دم"، حسب ما يروى عنه.

 وكان يمكن لبنكيران أن يجاري هوى في الذات الجريحة والمطعونة من طرف أولئك الذين أسماهم ب"المنافقين"، الذين يقبلون رأسه لكنهم لا يترددون في غرس الخنجر في ظهره.

وفعلا، فقد سارع تقريبا جميع أعضاء قادة العدالة والتنمية، بمن فيهم النساء ولأول مرة، إلى تقبيل رأس بنكيران ليس لأنهم يتفقون مع رؤيته وقراءته للمرحلة السياسية وللسياق الصعب الذي تجتازه البلاد

لا.

قادة العدالة والتنمية نساء ورجالا قبلوا رأس بنكيران وأكبروه بل كادوا أن يقطعوا أيديهم ذهولا بما رأوا لأنهم تنفسوا الصعداء ولم يصدقوا أن الزعيم سينتصر على نفسه و"أناه" الجريحة على طريقة الزعماء الكبار.

وليس سرا أن تيار الاستوزار وكل الرافضين للتمديد جاؤوا إلى المؤتمر وهم في حالة ارتباك وتيه ليس بالضرورة خوفا على "امتيازات ما" ولكن خوفا من فشل محطة سياسية مصيرية لحزب في مفترق طرق.

وأكيد أن فشل المؤتمر معناه التوجه نحو المجهول ومعناه النهاية المأساوية ليس لتيار بعينه داخل البجيدي، بل معناه النهاية لحزب بكامله ولكل شيء بناه مناضلوه طيلة هذه السنوات الطويلة من النضال.

 نعم، كان ذلك ممكنا وبكل البساطة لو وفقط لو أن بنكيران انتصر للنفس الأمارة بالسوء وجارى أصحاب الشعارات الذين أرادوه أمينا عاما لولاية ثالثة، بل وحتى مدى الحياة.

لكنه لم يفعلها.

وهذا معناه مرة أخرى أن الذي كان له الدور البطولي في إنجاح هذا المؤتمر ليس أولئك الذين حذروا مناضلي الحزب من الولاية الثالثة التي ستقود رأسا إلى الاصطدام بالدولة والاصطدام بالملك.

"يقينا"، فالذي أنجح هذا المؤتمر، وبدون أي مبالغة، هو بنكيران ولا أحد غيره.

 وربما لهذا السبب اصطف الجميع بعضهم وراء بعض لتقبيل رأس الزعيم مباشرة بعد أن أنهي كلمته الافتتاحية التي نزعت فتيل التوتر وبدا الحزب وكأنه "بنيان مرصوص" بلا تيارات وبلا مؤيدين أو معارضين للولاية الثالثة.

 بل حتى نساء ووزيرات الحزب قبلن علنا وأمام عدسات المصورين رأس بنكيران في سابقة فقهية نادرة وغير معتادة وسط الحزب.

ومع ذلك، فقد ينسى بنكيران أي شيء بما في ذلك الضربات القوية التي قد تبدو للبعض أنها لا تنسى.

وفعلا فقد نسي بنكيران ضربة الإعفاء الملكي المزلزلة للكيان، بل إن هذا الإعفاء أصبح جزءا من الماضي بمجرد أن عاد الرجل إلى بيته وعانق زوجته نبيلة.

أكثر من هذا، فقد نسي بنكيران أيضا حتى خلافاته واصطداماته الحادة مع قادة الحزب لكنه لن ينسى أبدا، والعهدة على مقرب منه، ضربات بعينها كادت أن تفقده توازنه أو تسقطه إلى الأرض.

ودعونا هنا نسمي الأشياء بمسمياتها:

بنكيران قد ينسى كل شيء إلا تلك "الضربة الغادرة" التي جاءت من الخلف على يد الوزير عبد العزيز الرباح.

لكن لماذا لن ينساها؟

لـ"أن هذه الضربة شككت في ولائه للملك والملكية وكادت أن تسلمه إلى العدو بعد أن خرجت من الواتساب إلى العلن".

 والعبارة هنا مأخوذة بالحرف من دردشة ودية مع مقرب من الزعيم، الذي سمع ربما مثل هذا الكلام من بنكيران نفسه تصريحا لا تلميحا وهما يتجاذبان معا أطراف الحديث في هذا الجرح النازف.