بنكيران.. عندما رماه “إخوته” في “الجب”
رغم هذا الجدل القانوني والسياسي بين المؤيدين والمعارضين للولاية الثالثة، فيبدو أن المؤتمر الوطني للعدالة والتنمية، الذي سينعقد نهاية هذا الأسبوع الجاري، لم يعد ربما معنيا بهذا الجدل ليس لأن المجلس الوطني رفض التمديد لبنكيران فحسب.
بل لأن بنكيران نفسه ربما أغلق قوس هذا التمديد الذي لن يؤدي به سوى إلى "الاصطدام" و"الاشتباك" ليس مع "السلطوية وقوى التحكم" ولكن مع "إخوة في الله" اقتسم معهم عمرا سياسيا طويلا بأفراحه وأحزانه.
ولا شك أن بنكيران فهم الرسالة جيدا وبدا له أن أجهزة المخزن كانت ربما أرحم بكثير من هؤلاء "الإخوة في الله" الذين "أخرجوه" ليس من رئاسة الحزب فقط، بل كادوا أن يخرجوه حتى من الأرض فقط لأنه يتطهر أكثر وملكي أكثر لكن بطريقته.
شخصيا، أستبعد أن يكون الذي آلم بنكيران هو "غدر" جهة ما في الدولة لأن عقلاء الدولة، وهم كثيرون، يقدرون الرجل ويعترفون له بالجرأة ونظافة اليد والوفاء الصادق للمؤسسات والثوابت إلى حد "التعبد والاعتقاد".
الذي آلم بنكيران ربما هو "غدر" ذوي القربى من "إخوانه" الذين أصبحوا يتوارون من سوء ما بشروا به على رأس حزبهم منذ واقعة الإعفاء الملكي لزعيم البيجيدي عقب أكثر من خمسة أشهر من "البلوكاج المفتعل".
صحيح أن بنكيران أبقى على الباب نصف مفتوح في قضية الولاية الثالثة عندما تعامل معها بمنطق "لم آمر بها ولم تسؤني"، لكن ليس صحيحا أن الرجل كان حريصا على التمديد لنفسه وبأي ثمن ولو بالطوفان من بعده.
هذا غير صحيح. وليس هذا هو بنكيران الذي يعرفه الخاص والعام، وهو الذي رفض رئاسة الحكومة بالتركيبة السداسية التي أمليت عليه.
والدليل أيضا هو أن السيد لم يسجل عليه أنه قام بحملة دعائية لنفسه كما فعل المعارضون له في الولاية الثالثة.
وأكيد أن "إخوان" بنكيران، الذين كانوا معه في قمرة القيادة لسنوات طويلة سواء في الحزب أو في حركة الإصلاح والتجديد والتوحيد والإصلاح، يعرفون جيدا حقيقة الرجل ومعدنه الأصيل.
ووارد جدا أن بنكيران كان يطمع في ولاية ثالثة ليس بدافع استبدادي والرغبة في الخلود وتعقب أثر المستبدين من أمثال مبارك والسيسي وبشار وبوتفليقة.
بنكيران طمع ربما في الولاية الثالثة لكن بدافع سياسي يضرب عصفورين بحجرة واحدة:
العصفور الأول هو ترميم جرح نفسي أحدثته واقعة الإعفاء المفاجئة والمزلزلة للذات والكيان والوجدان، فيما العصفور الثاني هو رد الاعتبار لقرابة مليونين من المغاربة ظل بنكيران يردد على مسامعهم في كل حملاته الانتخابية: "غير صوتوا علي وخليوني مني ليهم".
بمعنى أن بنكيران كان يطمع، والطمع هنا مشروع، في جواب سياسي يصلح به "الجرة" مع كتلة ناخبة صوتت عليه ليواصل مرة أخرى، بدعم ملكي، مسلسل الإصلاحات الكبرى من خلال حكومة تعكس روح انتخابات 7 أكتوبر وليس من خلال حكومة بلا روح وبلا سند شعبي.
وعوض أن يفهم إخوة بنكيران هذه الرسالة الصامتة فيتفاعلوا إيجابا مع زعيم قادهم من انتصار إلى آخر، فإنهم فعلوا العكس ورموه في "غيابة الجب" وجاؤوا عشاء "يبكون" رحيله على صفحاتهم بالفايسبوك.
بل إن بعض "الإخوة" تفاعلوا سلبا مع الرسالة الصامتة لأمينهم العام وشرعوا في البحث عن "منصب ريعي" لبنكيران خارج أعراف وتقاليد الحزب وديمقراطيته الداخلية.
وسامح الله الحبيب الشوباني، "مول الزبايل" الذي وضع زعيم الحزب في حرج حقيقي بل وضعه في هيئة متسول يستجدي "موقعا زائلا".
ونقصد هنا المقال الذي دعا فيه الشوباني إلى "تنصيب" بنكيران خارج مساطر الحزب على رأس المجلس الوطني كما لو أن زوج نبيلة مجرد "طالب دنيا" وليس زعيما "ألان الله له الحديد" في كل معاركه الانتخابية التي واجه فيها لوحده وزارة الداخلية في ساحة سياسية بلا سياسيين.
أكثر من هذا، فحتى الرجل الثاني في الحزب سعد الدين العثماني شارك هو الآخر في "جريمة الجب" للتخلص من بنكيران.
وقد ألقى العثماني بدوره من "الدشيرة الجهادية" خطابا "تأبينيا" شيع فيه "جثمان" بنكيران حتى قبل أن يقول المؤتمر الوطني كلمته الأخيرة في من سيكون الأمين العام القادم للحزب.
ولئلا يغضب العثماني أنصار الولاية الثالثة بهذه المنطقة فقد تدارك الأمر وقال لهم "إن بنكيران لم يمت، ووارد جدا أن يعود مرة أخرى".
اليوم، بات في حكم المؤكد أن الحزب طوى صفحة بنكيران في قضية الولاية الثالثة ليتجه نحو فتح صفحة جديدة بأمين عام جديد وحزب جديد وهوية جديدة.
وبنكيران نفسه قال إنه لم يطلب رئاسة الحزب حتى من الله، فكيف يطلبها من البشر، اللهم إلا إذا وقعت "معجزة" واستعاد أنصار التمديد زمام المبادرة في هذا المؤتمر الوطني المفتوح على كل الاحتمالات وبلا جلسة افتتاحية.
لكن، كيف ذلك وبأي آلية مسطرية؟
أعترف أني أصبت بالتخمة من كثرة ما قرأت من المرافعات القانونية سواء تلك الداعمة لبنكيران أو تلك المعارضة له دون أن أتمكن من ترجيح كفة على أخرى في هذه "الحرب الأهلية" الدائرة على قدم وساق داخل أكبر حزب في المغرب.
المعارضون للتمديد يقولون إنه لا وجود لآلية قانونية تسمح بطرح الولاية الثالثة في جدول أعمال المؤتمر الوطني لأن هذا المؤتمر ليس فضاء للنقاش والتداول بل هو مجرد آلة تصويت على مشاريع جاهزة أحيلت عليه من طرف المجلس الوطني.
أما المؤيدون للتمديد فيقولون إن المؤتمر سيد نفسه وهو أعلى هيئة تقريرية داخل الحزب وأن المجلس الوطنى هو مجرد مؤسسة أدنى، ومن غير المنطقي أن يستبدل الناس الذي هو أدنى بالذي هو أعلى!.
أكثر من هذا لقد طرح المؤيدون إشكالا قانونيا آخر، سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى احترام الحزب لقوانينه الداخلية، عندما أثاروا المادة 105 من القانون الأساسي الحالي التي تقول إن بنكيران لم يمض على رأس البيجيدي إلا ولاية واحدة.
والواقع أن هذا السجال "القانوني" الذي ينسخ بعضه بعضا أو بالأحرى الذي يلعن بعضه بعضا لا يعدو أن يكون كلاما في كلام لأن مشكل العدالة والتنمية ليس قانونيا ولا حتى مشكلا داخليا.
إنه مشكل سياسي أفرزه سياق استثنائي تعبره البلاد ولا حل له إلا بقرار استثنائي يقدم فيه إخوان بنكيران جوابا سياسيا عن هذا السؤال المركزي:
هل يريد البيجيدي أن يظل حزبا سياسيا حيا يمثل كبرياء الشعب من غير اصطدام مع الدولة أو تنازع مع الملك أم أنه يريد أن يتحول إلى نبتة بلاستيكية تزين مجالس السلطان لكن لا حياة فيها؟






