خطر اليأس وانسداد الأفق..
شاهدت، قبل أيام قليلة، فيديو لشاب أو ربما طفل قاصر مغربي حاول أن “يحرك” إلى أوربا دون أن تتكلل محاولته في “لحريك” بالنجاح..
وجاء في التفاصيل أيضا أن هذا الطفل القاصر تعرض ربما، أثناء هذه المغامرة، إلى “شبه عاهة” مستديمة بعد أن أصيب في رجله..
لكن هذا الطفل، وهو يحكي قصته في هذا الفيديو، قال عبارة قصيرة تختصر ربما كل شيء عن وضعية البلاد وأيضا عما يشبه “حياة اليأس” التي يعيشها ملايين الشباب في المغرب..
ودعوني، هنا، أترجم هذه العبارة بهذه الصيغة لعل مدلولها يصل إلى هذا الذي قال في خرجته الإعلامية الأخيرة “إن جميع المغاربة فرحانين”..
لنستمع إلى هذا الطفل وهو يتحدث بالجدية اللازمة وبمنتهى الألم والحزن:
“حتى أنا ابغيت “نحرك” كأي مواطن مغربي باش نحقق الحلم ديالي..”..
طبعا سطروا بالبنط العريض تحت عبارة “كأي مواطن مغربي” من طنجة الى الكويرة..
ماذا يعني هذا الكلام الخطير والخطير جدا جدا؟..
هذا معناه أن السكين وصل إلى العظام وأصبح في لا وعي الصغار والكبار أن هذا الوطن لم يعد ربما مكانا للحلم أو لتحقيق للطموحات مهما كانت صغيرة..
ثم إن كلام هذا الطفل يسائل ويشكك أيضا حتى في هذه “الأرقام الفلكية” التي يتحدث عنها رئيسنا في الحكومة دون أن يشعر بها الناس على أرض الواقع..
وفعلا، تكاد تتشابه عليك البقر وأنت تشاهد حتى وزير تعليم سابق غادر الوطن مع أول فرصة أتيحت له بعد أن “قتتتل” كل شيء حي في هذا القطاع..
وقع هذا بعد فاجعة البرنامج الاستعجالي الذي التهم ملايير الدراهم دون أن يرى النور ودون أن يساءل وزير آخر اسمه السي أحمد اخشيشن عما وقع من “انفلات”..
فرار وزير تعليم سابق من الوطن هو مناسبة لنتذكر أيضا واقعة مدينة “الفنيدق” ومحاولة “الفرار الجماعي” لآلاف الشباب والاطفال القاصرين من وطنهم في اتجاه المجهول وبحثا عن حياة أفضل في أوطان أخرى..
وأكيد أنكم تتذكرون كيف تزامن ما وقع بالفنيدق مع واقعة أخرى بمدينة أكادير أو “عاصمة الوسط” كما وصفها الملك في واحد من خطاباته..
وأقصد هنا عندما تحولت أكادير، قبل سنة بالتحديد، مع الوزير السعدي إلى مجرد “مرقص” جماعي على إيقاعات أغان محرضة للناشئة على استهلاك “الحشيش” وعلى استهلاك “الطاسة”..
نعم من حق الجميع أن يرقص أو يضرب “الطاسة” على شاكلته..
لكن “الطاسة” و”حياة الطاسة” لن تحل ولو مشكل واحد من مشاكل الشباب المغاربة أو مشاكل المستشفيات بالمغرب..
لماذا؟
لأن “الطاسة” تبقى حرية شخصية وحياة خاصة لكنها لم تكن، يوما ما، جزءا من برنامج حكومي أو برنامج سياسي لأي حزب في العالم..
وكم أحزنني أن هناك من تعامل وقتها مع هذا “الهروب الكبير” من الوطن عبر الفنيدق كما لو أن الأمر يتعلق بنزوات عابرة لشباب متهور وطائش ولم ينضج بعد..
كما أن هناك من ذهب أبعد من ذلك وتعامل مع ذلك الحدث بتحاليل خالية من السياسة حتى أنه نسب كل عطب داخلي إلى “مؤامرة” دبرها عدو خارجي يريد شرا بالوطن..
وظني أنه حتى لو كانت فرضية “المؤامرة” الخارجية حاضرة.. فإن هذا لن يحل المأساة بقدر ما سيفاقم من تداعياتها لا غير..
حصل هذا رغم أن مقاطع الفيديوهات والمشاهد الحية، التي كانت تأتي من مدينة الفنيدق ومن المعابر المؤدية إلى باب سبتة، كانت تقول كل شيء عن حقيقة ما يجري على الميدان:
شباب “يائس” و”محطم” النفس و”محبط” وربما فقد الثقة في كل شيء من حوله..
وهذا هو الخطر بعينه لأن الناس لا تهاجر أوطانها بسبب الفقر ولكنها تفعل ذلك بسبب فقدان الأمل..
وبسبب انسداد الأفق..
وأيضا بسبب وجود أمثال التهراوي على رأس وزارة حساسة وهامة فقط لأن هذا التهراوي “مفشش” ولديه “مكانة خاصة” لدى “المدام”..
..
مصطفى الفن





