كيف تحولت الفيلا المعلومة إلى “فضاء سري” لإفساد النخب..
واهم من يعتقد أن فيلا إيسكوبار الصحراء كانت مجرد فيلا سكنية عادية مثل سائر الفيلات المجاورة لها في أرقى حي من أحياء الدار البيضاء..
والواقع أن هذه الفيلا كانت بوظائف كثيرة لعل واحدة منها هي صناعة “النخب الفاسدة” أو “إفساد” ما صلح من “النخب”..
حتى لا أقول إن هذه الفيلا كانت، بالفعل، “غرفة عمليات” يجتمع فيها بعض النافذين وبعض صناع القرار “المحلي” من مختلف المجالات بأكبر مدينة بالمغرب..
وكانت هذه الفيلا أيضا “فضاء سريا” تهندس فيه الخرائط الانتخابية..
وتوزع فيه المسؤوليات الحزبية والانتدابية على “العشيقات” وعلى الذي “يسوى” والذي “لا يسوى”..
وكانت أيضا “فضاء سريا” تشكل فيه المجالس المنتخبة وتوزع فيه التفويضات المدرة للدخل..
بل إن الاتفاق المسبق، على النقط المدرجة في جدول أعمال الدورات، كانت وقائعه الأولى تجري في هذه الفيلا بالتحديد..
وكانت أيضا فضاء تقتسم فيه “الغنائم” في شكل صفقات وعقارات ورخص استثنائية وغير اشتثنائية ومعها الكثير من الامتيازات..
بعض رجال الأعمال وبعض قادة البام وبعض نواب العمدة من أحزاب كثيرة، أي الذين كانوا ضيوفا قارين على صاحب الفيلا المعلومة، يعرفون أسرارا كثيرة عن الطقوس وعن الكيفية التي كانت تدور بها عجلة “الابتزاز والنصب” بالفيلا نفسها..
كما كانت هذه الفيلا أيضا “دارا غير آمنة” تتخذ فيها حتى بعض “القرارات” الانتقامية التي قد تكون لها تداعيات على حرية الناس وعلى كرامة الناس وعلى أمنهم الشخصي أيضا..
أبو الغالي، الذي تم تجميد عضويته داخل البام، قال كلاما في منتهى الحساسية في بعض بياناته:
“لقد سلبوني سلبا”..
وفعلا لقد سلبوه سلبا وانتزعوا منه شققا وممتلكات في سياقات قد أعود إليها في تدوينات قادمة بإذن الله..
باختصار شديد:
هذه الفيلا كانت، بحق، مقرا قارا يقصده العديد من ممتهني النصب ومن الباحثين عن “الأموال السهلة” وعن النفود وعن الجاه وعن الترقي الاجتماعي وعن التموقع غير الشرعي..
وعبد ربه سبق له أن قرأ وثائق قضائية تتحدث عن شخص اسمه “بركات” من أصدقاء صاحب الفيلا المعلومة والذي رفع سقف النصب عاليا..
حصل هذا حتى أن “البركات” المعني بالأمر لم يكتف فقط بانتحال صفة مستشار بديوان مستشار ملكي وازن..
بل إن هذا “البركات” وعد صاحب الفيلا المعلومة شخصيا بحقيبة وزارية على رأس قطاع الرياضة والشباب..
كما استطاع “البركات” أيضا أن يحصل، عبر تقنية النصب، على إكرامية من الملياردير السعودي العمودي مالك محطة لاسمير لتكرير البترول بالمحمدية مقابل “خدمة” لم يقم بها أصلا.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، ذلك أن المستشار المزيف استطاع أيضا، وعبر آلية النفوذ”، أن يؤجل حتى طلبات عروض طرحها البنك الشعبي الى العلن..
بل إن المستشار المزيف، الذي حوكم بسنتين حبسا نافذا، حصل أيضا حتى على هدايا من هذه المؤسسة البنكية في عهد رئيسها المدير العام السابق الذي يترأس اليوم أكبر مؤسسة للاستثمار في المغرب..
وطبعا لا ننسى أيضا لائحة السياسيين الذين وعدهم المعني بالأمر بالتدخل لفائدتهم في قضايا لها صلة بتعيينات وبصفقات وبمناصب هامة..
ثم إنه ليس سرا أن هذه الفيلا كانت أيضا بمثابة “معهد عشوائي” تخرج منه محامون و”محاميات”..
وتخرج منه موثقون وموثقات..
وتخرج منه منتخبون ومنتخبات هم اليوم في مناصب المسؤولية بمؤسسات دستورية وغير دستورية في ظروف مريبة وبدون أن يصوت عليهم أي ناخب..
ولا بأس أذكر اليوم واحدا من كبار “خريجي” هذه الفيلا التي ينبغي أن تشمع أو أن تتم تهيئتها وإدراجها في استراتيجية الدولة المتعلقة بحفظ الذاكرة في أفق جبر الضرر للعديد من الضحايا..
وأتحدث هنا بالتحديد عن أسماء كثيرة وأيضا عن “موثق” سارت بذكره الركبان والذي حصل على مقعد برلماني بكيفية ملتبسة وبلغة الحديد والنار وبالتهديد وأيضا بدفاتر شيكاته الكثيرة..
اللافت أيضا أن هذا “الموثق” الذي يدعي، هو بدوره، القرب من “الفوق”، هو في الأصل أو يكاد يكون “الشريك” رقم واحد في كل شيء وفي كل العقود القانونية وغير القانونية التي أبرمها صاحب الفيلا المعلومة مع أكثر من جهة ومع أكثر من طرف..
وبسبب هذا الموثق الذي كان ولا يزال يحلم بشراء حقيبة وزارية بأي ثمن، فقد تعطلت اليوم مصالح الناس في مقاطعة بكاملها بمنطقة الحي الحسني بالدار البيضاء وقامت الدنيا ولم تقعد إلى حد الآن..
جرى كل هذا فقط لأن هذا الموثق، المدعوم “علانية” من طرف بعض رجال السلطة ومن طرف مسؤولة ترابية كبيرة تحظى بالثقة الملكية في المنطقة، أراد أن يكون نائبا سادسا يشرف على الرخص التجارية في مقاطعة منكوبة وضدا على إرادة الجميع..
بل إن هذا الموثق، الذي يتباهى بكثرة أمواله الغامضة ودفاتر شيكاته، مدعوم أيضا حتى من طرف ابنة الصالحين ومن طرف العديد من أصحاب “الأنساب الشريفة” في أكثر من حزب هنا بالدار البيضاء..
وهذا ما يدعو إلى الاستغراب كما لو أن سكان منطقة الحي الحسني ليسوا سوى “حراطين” و”غير شرفاء” وتنبغي معاقبتهم بأي كان ولو بمثل بهذه “البروفايلات” المكروهة ربما من طرف الإنس والجن.