ملف أرض ب80 مليارا.. تفاصيل التحقيق مع القاضية المتقاعدة..
ما هو الدرس الذي يمكن أن نستخلصه من ملف القاضية المتقاعدة أو صاحبة الأرض ببرشيد التي تساوي أكثر من 80 مليارا؟
قبل أن أجيب عن هذا السؤال بعد أن “اطلعت” على وثائق هذا الملف، دعوني أقول ابتداء إني أميز بين أمرين في هذه القضية التي أثارت الكثير من الجدل العابر للحدود..
الأمر الأول هو أن ملف هذه الأرض لا يختلف عن الكثير من الملفات الرائجة أمام المحاكم في انتظار استكمال باقي مراحل التقاضي..
وطبعا لن أتحدث عن نزاع قضائي بين ورثة حتى وإن دخلت ربما، على خط هذا النزاع، أخطر شبكة “مافيوزية” تتاجر في كل شيء..
وهذا ربما واحد من “الأخطاء الجسيمة” التي ارتكبتها القاضية المعنية لأنها وضعت نفسها بين مخالب “العدو” ظنا منها أنها ستحارب المافيات العقارية..
صحيح من حق القاضية أن تدافع عن أرض والدها بما تراه مناسبا إذا ما شعرت بحيف أو ظلم..
وهذا حقها المقدس ولا أحد يعاتبها على ممارسة هذا الحق..
لكن الأمر الثاني هو الذي يبقى، بالنسبة إلي، في منتهى الخطورة..
لماذا؟
بكل بساطة لأن القاضية المعنية أدلت بتصريحات بمضمون صادم وضعت قضاء البلد برمته في مأزق حقيقي..
وهذا المأزق لا حل له سوى برحيل من ينبغي أن يرحل إذا ما “صحت” تلك التصريحات..
وأقصد هنا تلك الاتهامات الثقيلة التي وجهتها القاضية المعنية، عبر فيديو على اليوتوب، إلى مسؤولين قضائيين يشتغلون بالقرب من الملك ويوقعون الأحكام والقرارات القضائية باسمه..
بل إنها ذكرت هؤلاء المسؤولين القضائيين بالاسم..
لكن عندما جد الجد وقيل للقاضية المعنية: “هات برهانك إن كنت صادقة”، فإنها نأت بجانبها ورفضت الرد على مكالمات الفرقة الوطنية وتجاهلت حتى استدعاء الشرطة القضائية ببرشيد والذين انتقل بعضهم إلى منزلها..
لكن في مقابل هذه الادعاءات غير المحسوبة، كان الثمن غاليا من سمعة الوطن..
لماذا؟
لأن القاضية، التي أفنت أكثر من 30 سنة في جهاز القضاء، لم تستطع حتى أن تكون مثل امرأة بسيطة شهيرة باليوتوب اسمها “امي نعيمة”..
نعم إن الأمر بهذا المعنى المأساوي طالما أن المفترض في القاضية أن تكون لها من الثقافة القانونية ومن الوعي السياسي ما يجعلها أكبر من أن تسقط في ارتكاب أفعال جرمية قد لا يرتكبها حتى المبتدئون من بسطاء الناس..
والأخطر من ذلك أن القاضية المعنية “اختلقت” وقائع وتواريخ وروايات..
لكنها سرعان ما تتراجع عن هذه الوقائع والروايات لتختلق أخرى ثم تتراجع عنها مرة ثانية وثالثة ورابعة..
حصل هذا كما لو أننا أمام قاضية لم يسبق لها أن مارست القضاء ولم تكن ترسل الناس مكبلين إلى السجون..
المعنية بالأمر فعلت كل هذا ووزعت الاتهامات في كل اتجاه دون أن تأتي، بعد تحقيقات ماراطونة طويلة، ولو بإثبات واحد يؤكد مزاعمها..
وكم صدمت، صدقا وحقيقة، من الأجوبة أو اللا أجوبة للمعنية بالأمر على أسئلة محققي الفرقة الوطنية للشرطة القضائية..
وفعلا فقد كانت الأسئلة دقيقة ومحددة ومؤطرة في الزمان والمكان، غير أن الأجوبة كانت مثل صحون طائرة وشاردة ويلغي بعضها بعضا وتقول الشيء ونقيضه..
وقد أقول أيضا وبدون تردد إن المعنية بالأمر سجلت، أثناء الاستماع إليها، أهدافا كثيرة في مرماها مثلما فعل اللاعب بوحدوز ذكره الله بخير..
وربما لا أبالغ إذا قلت إن المكان الطبيعي لصاحبة هذه الأجوبة الماسة بوقارها كقاضية وكأم وكزوجة ليس هو السجن وإنما حيث ترقد الآن..
و”حسنا” فعل ذاك الذي همس للمعنية بالأمر في أذنها لتفتعل “إغماءة” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عقب النطق بقرار الإيداع في السجن:
“طيحي للأرض وديري راسك اسخفتي”..
كما أني لم أفهم أيضا كيف أن قاضية لم تبد أي تعاون مع المحققين في الوصول إلى بعض الملابسات التي أحاطت بتصوير الفيديو المعلوم أو بالجهة التي قد تكون ساعدتها على التصوير والنشر..
بل على العكس من ذلك فقد فعلت المعنية بالأمر كل شيء لحماية الشجرة التي تخفي ربما أخطر شبكة بباع طويل في النصب وفي الاحتيال وفي التلاعبات المدرة للثراء الفاحش..
بل إن هذه الشبكة، التي يتزعمها معشر شهير لم يكن يملك أي شيء قبل أن يصبح اليوم صاحب ثروة قد تقارب 800 مليار، استطاعت ربما، في سياق ما، أن تزرع أذرعها في كل اتجاه:
في محيط القضاء..
في محيط الأمن..
في الجمارك..
في المحافظات العقارية..
في المحاماة..
في الصحافة..
في الداخل..
في الخارج..
في عالم المال والأعمال..
وربما في كل مفاصل الدولة..
كما أنه ليس سرا أن هذه الشبكة أرسلت، خلال هذه السنوات الأخيرة، كثيرين إلى السجون في ظروف ملتبسة وغامضة بعد أن صادرت أراضيهم وممتلكاتهم..
ولن أدخل في بعض التفاصيل طالما أن جزءا من هذا الملف لا زال ربما مشمولا بالسرية..
وربما قد يطيح هذا الملف أيضا بأسماء وازنة من هذه الشبكة..
لماذا؟
لأنه وارد جدا أن تكون بعض عناصر هذه الشبكة قد لعبت “دورا ما” في نسج الكثير من خيوط هذا الملف لإرسال رسالة بهذا المضمون المضلل:
“ماشي غير احنا اللي موسخين”..
وفعلا فبعض عناصر هذه الشبكة هم الذين كانوا يتصلون، ليل نهار، بالقاضية المعنية..
وهم الذين كانوا يرسلون إليها كل ما تريد من أرقام الصحافيين ومن الروابط ومن فيديوهات بعض القنوات الخارجية المختصة في التشهير..
وكان هذا يجري بالتزامن وربما حتى قبل أن تعرف هذه الفيديوهات والروابط طريقها إلى النشر في القنوات الأصلية لأصحابها..
ومع ذلك فإن قضية القاضية المتقاعدة لا تخلو من بعض الدروس..
وأول هذه الدروس وهو أن القضاة ينبغي أن يكونوا “رحماء” بالناس في جرائم الصحافة والنشر والتدوين والتغريد على مواقع التواصل الاجتماعي..
لماذا؟
لأنه إذا كانت قاضية بهذا الماضي المهني وبهذه التجربة الطويلة وبهذا المستوى التعليمي العالي إلا أنها سقطت في المحظور..
وإذا كانت قاضية بكل هذه المؤهلات العلمية والمعرفية والتجربة المهنية الطويلة في جهاز حساس إلا أن حظها كان عاثرات مع استعمال مواقع التواصل الاجتماعي..
إذن لماذا لا نلتمس ظروف التخفيف لمواطن فقير، هلكه الزمان وهلكه الغلاء وهلكه عزيز أخنوش وبلا مستوى تعليمي وبلا بسطة في العلم والجسم، إذا ما دون تدوينة أو غرد تغريدة “ماسة” بالنسق أو من خارج النسق؟!..