عندما تحول “ملتمس رقابة” إلى نسخة من “السي الكالة” ل”ابتزاز” للدولة..
لا أدري ما الذي وقع للاتحاد وللاتحاديين خلال هذه السنوات العجاف الأخيرة؟
طبعا كلنا يعرف تفاصيل هذه القصة المؤلمة في مسار حزب تحول ربما، في أقل من ولايتين، إلى “عار” حقيقي وبلا مرجعية سياسية وبلا هوية وبلا جذور..
وهذا ليس كلام صحافي..
هذا كلام يقوله حتى مناضلون كبار تواروا إلى الخلف أو قياديون لا زالوا في هذا الحزب العريق الذي ظل، لعقود من الزمن، ضمير وطن بكامله..
ولا سامح الله ذاك السياق الذي وضع حزبا تاريخيا بين أيد تعتبر التاريخ وتضحيات الماضي الجميل مجرد عبء ثقيل على هذا الحاضر..
أما آخر ما وقع في هذه العشر الأواخر التي تزامنت مع فاتح أبريل وهو أن “زعيم” الحزب اختلق “إشاعة” ثم صدقها..
وأقصد هنا “إشاعة” ملتمس الرقابة الذي يبقى في كل الأحوال آلية دستورية وقانونية لإسقاط الحكومة..
وهنا أفتح قوسا صغيرا لأقول في سياق ودي:
“وحتى تكون انت واقف بعدا، عاد طيح الحكومة”..
ثم إن آلية ملتمس الرقابة لها مرجعية من سياق سياسي آخر يعود إلى الستينيات من القرن الماضي..
وستينيات القرن الماضي هي حقبة كانت فيها الحرب على أشدها بين شرعية القصر وبين شرعية الحركة الوطنية حول كرسي الحكم..
بل إن هذا الملتمس، الذي استهدف حكومة ابا حنيني، أعقبته حالة استثناء فيما بعد وتعطلت معها الحياة السياسية والمؤسساتية وكاد البلد أن يدخل إلى المجهول..
وحتى ملتمس الرقابة الذي طرحه الاتحاديون في سنوات التسعينيات فقد كان له ما يبرره ربما..
لماذا؟
لأننا كنا أمام حزب سياسي حقيقي وأمام اتحاد حقيقي بزعيم حقيقي..
وبفريق برلماني حقيقي..
وبإعلام حزبي حقيقي..
حصل هذا حتى أن الراحل الحسن الثاني كان يجمع “دار المخزن” وربما على عجل بمجرد نشر افتتاحية بجريدة حزب القوات الشعبية..
ماذا يعني هذا كله؟
هذا معناه أن ملتمس الرقابة هو في الأصل رؤية سياسية وجزء من عقيدة سياسية ومن مشروع سياسي ويأتي كتتويج لصيرورة سياسية ولمواقف سياسية ولنضال سياسي..
ولا يأتي ملتمس الرقابة بعد واقعة “أراضي خدام الدولة” وبعد اعتقال الاتحادي عبد المولى عبد المومني وبعد صفقات غامضة مع تعاضديته العامة..
ولا يأتي بعد تكوين ما يشبه “عصابة إجرامية” مع الأبناء ومع العائلة ل”سرقة” المال العام عبر مكاتب دراسات وهمية..
كما أن ملتمس الرقابة لا يأتي بعد “الاصطدام بالحائط” أو بعد تصريحات قال فيها “الزعيم” إنه شخصيا ضد إسقاط حكومة السيد أخنوش لأنها تطبق برامج الاتحاد..
ولن أدخل في تفاصيل الشروط السياسية والقانونية المطلوبة في صعوبة تنزيل هذه الآلية الدستورية على واقع الأرض..
نعم لن أفعل ذلك طالما أن “كبير” الاتحاديين يغرد وحيدا وبدون حتى تنسيق جدي ونزيه ومؤسساتي مع أحزاب المعارضة..
وربما لهذا السبب بالتحديد، رفض “الزعيم”، وبشدة، أن يضع اسمه في تصريح علني مشترك كان مفترضا أن يأتي بهذا المضمون:
“نحن الأمناء العامين الموقعين على ملتمس الرقابة نرفض أن نشارك في الحكومة الحالية أو في أي حكومة أخرى قد تعقبها..”..
وفعلا، ف”الزعيم” غير جدي في هذا الملتمس حتى لا أقول إن ملتمسه هو ربما مجرد “ابتزاز” للدولة على طريقة “السي الكالة” ليس إلا.