قضية الديبلوماسية البرلمانية بمجلس المستشارين.. فاقد الشيء لا يعطيه
جرت “الأعراف” أو “العادة” في الدول الديمقراطية العريقة أن يتم إسناد رئاسة لجان الخارجية في البرلمانات إلى كبار الساسة وإلى الحكماء والعقلاء وإلى أصحاب الخبرة والتجربة من برلمانيي الأمة..
وفي فرنسا، التي غالبا ما نتخذها “نموذجنا” في التنمية وفي غير التنمية وفي كل شيء، فقد سبق أن تم إسناد رئاسة هذه اللجنة، بالجمعية الوطنية الفرنسية، إلى أسماء وشخصيات سياسية من العيار الثقيل..
ولا بأس أن أذكر هنا اسما واحدا فقط من هذه الأسماء والشخصيات الفرنسية الوازنة التي ترأست لجنة الخارجية بالجمعية الوطنية..
أتحدث هنا بالتحديد عن رجل الدولة ورجل السياسة والاقتصاد إدوارد بلادور الذي شغل منصب رئيس الوزراء الفرنسي وشغل أيضا مناصب عليا هامة مع فرانسوا ميتيران ومع جاك شيراك..
أما في المغرب، وفي مجلس المستشارين خصوصا، فالأمر “كاريكاتوري” و”سوريالي” وربما “مأساوي” أيضا..
نعم إن الأمر بهذه “الدراما” السوداء حتى أن رئاسة لجنة الخارجية والدفاع الوطني، في مؤسسة هي الرابعة في الهرم المؤسساتي للدولة، فقد يتم إسنادها إلى أي نكرة وإلى أي كارثة وإلى أي مصيبة وإلى أي مدع وإلى أي هاو..
طبعا أنا هنا لا أعمم..
والمؤكد منه أن ثمة استثناءات لهذه القاعدة..
لكن عندما تتأمل رزمة “البروفايلات” التي مرت من رئاسة لجنة الخارجية بمجلس المستشارين فأكيد أنك ستشعر باليأس..
وربما ستشعر أيضا بعدم الثقة في مستقبل وطن عريق وجدير بالثقة..
لكن لماذا أذكر هنا بكل هذه المشاهد من الماضي؟
بكل بساطة لأن هناك اليوم حديثا عن “شبه انفلات” داخل هذه الغرفة التي ظلت دائما ترسم صورة “مسيئة” و”سيئة” عن الوطن وعن برلمان الوطن نظرا لحجم “الفضائح” الكثيرة التي انفجرت داخلها..
وما كان لهذا أن يحصل لولا أن بعض “الصغار” يريدون أن ينسبوا لأنفسهم أدوارا كبيرة في وطن معطاء و”ولود” وغير مصاب بالعقم..
وجاء في التفاصيل، إذا ما “صح” هذا الذي يروج على نطاق واسع، أن رئاسة مجلس المستشارين “اضطرت” مؤخرا إلى أن توجه “تنبيها” مكتوبا إلى سيدة جاءت إلى هذا المجلس بطريقة فيها الكثير من “التحايل” ومن “النفخ” ومن “الدوباج” أيضا..
وقد وقع هذا “التنبيه” الرئاسي لأن الوظائف اختلطت ولأن الأدوار تشابهت أو كادت أن تكون كذلك..
وأيضا لأن مقتضيات النظام الداخلي للمجلس خرقت وانتهكت ولم يعد لها أي اعتبار..
والسبب هو هذه “الخفة” الزائدة الممزوجة ربما برغبة مرضية في “تلميع” ذات “فارغة” لكنها عاشقة للأضواء وللأسفار وللتعويضات..
طبعا، لن أتحدث عن فرضية “إقحام” مستشار ملكي وتسريب أخباره ولقاءاته المفترضة مع “ميلانشو” إلى صحافة الداخل والخارج بكيفية لا تخلو ربما من “إحراج” لمؤسسات الوطن..
و”سامح” الله كل أولئك الذين عبدوا الطريق وسهلوا المأمورية نحو هذا “اللا معنى” الممتد في كل اتجاه..
وأنا لا أستبعد أن يكون هذا “التنبيه” الرئاسي الموجه إلى المستشارة البرلمانية المعنية بالأمر قد شكل موضوع “تقارير” رفعت إلى من يهمهم الأمر..
وهذا وارد جدا لأن الغرفة الثانية للبرلمان لها رئيسها ولها ممثلها القانوني وليست امتدادا لتلك الغرف “المظلمة” التي تختزل “العمل الديبلوماسي البرلماني” في “تكسير” أكبر كمية من “الزجاج غير الحارق”..
ثم إنه ليس سرا أن هذا “التحايل” و”النفخ” و”الدوباج” وصل إلى حد إبداع وصناعة فيدرالية وهمية لتضليل الناخبين من المقاولين..
وقد انضاف هذا “الدوباج” إلى شركة وهمية أخرى كانت ولاتزال تستفيد من الصفقات خارج طلبات العروض دون أن تشغل أحدًا وربما لم تدفع سنتيما واحدا كضريبة للدولة..
كما أن الشركة الوهمية للمستشارة البرلمانية المعنية بالأمر استطاعت أن تسطو “من تحتها” على صفقات تواصل بقيمة قاربت أربعة ملايير سنتيم طيلة الفترة الممتدة ما بين 2012 و2018..
والمفارقة العجيبة في هذا كله هو أن سعادة المستشارة البرلمانية تشغل مهام قيادية في هذه المؤسسة التي فوتت لها كل هذه الصفقات التواصلية عبر تلك التقنية المعروفة وغير الشفافة:
“gré à gré”..
وهذا ليس تنازع مصالح فقط..
إنه أيضا فعل جرمي وسقوط أخلاقي مدوي من طرف برلمانية مزيفة أخذت كثيرا من الوطن دون أن تعطي للوطن أي شيء عدا بيع الوهم والسراب..
بقي فقط أن أقول:
العمل الديبلوماسي من أي موقع كان هو ربما في الأصل مسار..
وهو عمر..
وهو منعرجات..
وهو تاريخ..
وهو تراكم..
وهو حدس..
وهو استشراف..
وهو خبرة..
وهو تجربة..
وهو علم..
وهو ذكاء..
وهو حاسة سادسة..
وهو دراية بالبلد وبلغة البلد..
لكنه أيضا، وقبل هذا وذاك، هو موهبة تنزل من السماء..
أما فاقد الشيء فلا يعطيه.