الخبر من زاوية أخرى

أحمد حرزني.. رحيل الذراع الحقوقي الرسمي للمغرب

أحمد حرزني.. رحيل الذراع الحقوقي الرسمي للمغرب
مصطفى الفنمصطفى الفن

خبر حزين هذا الذي تلقاه الوطن صباح هذا اليوم..

لقد رحل السفير المتجول أو الذراع الحقوقي الرسمي السابق للبلد أحمد حرزني..

لقد رحل إلى دار البقاء بعد “نضال” حقيقي ضد المرض اللعين..

طبعا لا أزعم أني أعرف الراحل عن قرب حتى وإن تحدثت إليه مطولا في قضايا وملفات كثيرة ذات لقاء لم يكن في الحسبان..

حصل هذا على هامش زفاف الصحافية هاجر الريسوني بمدينة سلا قبل أربع سنوات..

بل إني كنت أيضا شاهدا على نقاش ودي بطعم سياسي دار أمامي بين الراحل حرزني وبين عبد الإله بنكيران ونحن نجلس حول مائدة واحدة في هذا الزفاف..

كما أن كاتب هذه السطور المتواضعة استطاع من موقع الانتماء إلى مهنة المتاعب أن يعرف الكثير من المحطات ومن المنعرجات في مسار الرجل..

لكن كل هذا لم يمنعني من أن أتصل أيضا، عقب نبأ الوفاة، بالعديد من الشخصيات ومن الرفاق ومن الأصدقاء الذين جايلوا أو اشتغلوا مع الراحل..

وأنا أتحدث إلى بعض أصدقاء السي أحمد رحمه الله فقد اكتشفت أيضا أن الذي رحل اليوم هو فعلا رجل استثنائي وصاحب مسار سياسي استثنائي أيضا..

ودعوني أبدأ هنا من البداية..

والبداية تفرض علي أن أقول أيضا:

إن الذي رحل اليوم هو أيضا مناضل “ثوري” كان يحلم، في أول المسار، بنظام جمهوري وسط المملكة..

وهذا الحلم، الذي “راود” السي أحمد ومعه جزءا من الشباب في مرحلة سياسية من تاريخ المغرب، لم يكن حلما من داخل المؤسسات أو حلما بالطرق السلمية والقانونية..

لا..

بل كان حلما بنيته الفوقية فكرة ماركسية لينينية، فيما بنيته التحتية “كفاح مسلح” و”عنف ثوري” على طريقة الثوار في كل أنحاء الدنيا في أفق قلب كل شيء وجعل عاليها سافلها..

وفعلا فقد كان الراحل، أيام الشباب أو أيام المد الشيوعي، ينظر بإعجاب كبير وببعد عقدي ربما إلى الكثيرين من الثوار..

ولا بأس أن أذكر في مقدمة هؤلاء الثوار “هو شي منه” بالفيتنام و”ماو تسي تونغ” في الصين الشعبية..

وربما ليس مبالغة أن أقول أيضا إن الشاب أحمد حرزني، كان وقتها، يحلم “جديا” بما هو أكبر من ذلك..

كان يحلم بأن ينقل تلك التجارب “الثورية” في الفيتنام وفي الصين الشعبية إلى هنا بالمغرب وتحويلها إلى “واقع ملموس” بعد “تحليل ملموس للواقع”..

وهذا ليس كلاما مطلوقا على عواهنه..

والواقع أن هذا الكلام له ما يسنده من الوثائق ومن المحاضر وحتى باعترافات الراحل نفسه في الكثير من تصريحاته وجلساته الخاصة:

“نعم كنا في حلبة ملاكمة مع نظام الحسن الثاني.. وقد خسرنا المعركة لأننا واجهنا ملاكما من الوزن الثقيل”..

ثم إنه ليس سرا أن السي أحمد حرزني اعتقل في السبعينيات بمسدس في محفظته وهو يتجول، وقتها، لتفقد رفاقه من “الثوار” السريين في أكثر من جهة بالمغرب..

السي أحمد كان يفعل هذا ب”اعتقاد” راسخ مفاده أن “حمل” السلاح هو جزء من أدبيات وقناعات سياسية لإحداث “الثورة” المنشودة..

وحتى المحامي، الذي كان يترافع لفائدة حرزني بعد اعتقاله، سيعتقل فيما بعد يوم عيد العرش في أحداث الهجوم على قيادة مولاي بوعزة..

وأتحدث هنا عن الأستاذ محمد كرم الذي روي لي أيضا أشياء في منتهى الإثارة ذات صلة بهذه الفترة التي بلغ فيها الصراع بين نظام الحسن الثاني وبين المعارضة إلى مستويات غير مسبوقة..

لكن ستجري الكثير من المياه تحت الجسر خاصة بعد محنة السجن أو بالأحرى بعد تجربة قرابة عشر سنوات خلف القضبان وربما أكثر من ذلك..

وهكذا سيدخل السي أحمد ومن معه من رفاقه في مرحلة جديدة أو قل في ولادة جديدة وفي حالة تأمل فكري وفي نقاش جدي يقول في العلن ما يقوله في السر تمهيدا للقطع مع أدبيات تنظيم كان يريد أن “يخدم الشعب” ولو بالحديد والنار والمسدسات..

أما أفق هذا النقاش، الذي انطلق داخل السجن وتواصل خارجه، فقد تركز أساسا على جلد الذات ونقدها والدخول في مراجعات انتهت بمد اليد إلى الملك الجديد لطي صفحة الماضي وبناء وطن واحد يتسع لجميع أبنائه..

ومن منا لا يتذكر في هذا المنحى التصريح المثير للسي أحمد حرزني أمام هيئة الإنصاف والمصالحة والذي وصف فيه الملك محمد السادس ب”الفتى النبيل”..

وقد خلق هذا التصريح، وقتها، جدلا واسعا وسط بعض تنظيمات اليسار خاصة تلك التي كانت تحلم بمغرب آخر غير هذا المغرب الذي نعيش فيه اليوم..

والحقيقة أن مثل هذه التصريحات للسي أحمد حرزني هي لا تعكس شجاعة وشهامة الرجل فقط وإنما تعكس صدقه ونزاهته الفكرية والأخلاقية أيضا..

بقي فقط أن أقول بعد الترحم على الفقيد:

إن المغرب فقد فعلا رجل دولة كبيرا ومحترما..

وأكيد أن وفاة السي أحمد هي رزء فادح تكبدته عائلته الصغيرة وتكبدها الوطن أيضا..

ولله ما أعطى ولله ما أخذ..

وإنا لله وإنا إليه راجعون.