احتجاجات “شهداء كوميرا”.. محمد كرم يتذكر
من 20 يونيو 1981 إلى 20 يونيو من السنة الجارية: 2023..
مرت الآن 42 سنة بالتمام والكمال على اندلاع “احتجاجات” بامتداد “شعبي” في أكبر مدينة بالمغرب خلفت 114 قتيلا إذا ما صدقنا هيئة الإنصاف والمصالحة..
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تحدث وقتها عن رقم آخر من “الشهداء” حدده فيما يفوق 600 قتيلا..
فيما رفعت الصحافة الأجنبية عدد القتلى إلى ما يقارب 1000 قتيل..
أما أقوى وزير داخلية في تاريخ المغرب إدريس البصري فقد “استهزأ” من كل هذه الأرقام ووصف “ضحايا” هذه الأحداث ب”شهداء كوميرا”..
ويلمح إدريس البصري هنا إلى أن الناس خرجوا إلى الشارع و”ماتوا” من أجل “كسرة خبز” ولم “يموتوا” من أجل الحرية..
وفي هذا اليوم من نفس السنة أيضا، نزلت دوريات الجيش إلى شوارع وأزقة المدينة وحوصرت الأحياء السكنية وأطلق الرصاص “القاتل” على المحتجين وعلى غير المحتجين..
وفي سنة 2005، سيكتشف المغاربة و”ربما” بالصدفة أن هناك “ضحايا” آخرين دفنوا في مقابر جماعية منها مقبرة بثكنة الوقاية المدنية بالحي المحمدي..
لن أتحدث عن عدد المعتقلين في هذه الاحتجاجات، لكن البعض تحدث عن أرقام تجاوزت ربما 5000 معتقل..
حصل كل هذا عقب إضراب عام دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بزعامة نوبير الأموي عندما كانت لهذه النقابة أنياب..
وحصل هذا أيضا عندما أعلنت حكومة المعطي بوعبيد عن زيادات صاروخية في أسعار المواد الأساسية والتي وصلت أحيانا إلى 76 في المائة.
الأستاذ والمحامي والاتحادي محمد كرم يحكي هنا كيف عاش هو شخصيا هذه المحطة المؤلمة من “سنوات الجمر والرصاص”:
“في مثل هذا اليوم من سنة 1981 تعرضت للاعتقال..
طبعا لم أكن لوحدي..
لقد تم اعتقالي رفقة الفقيد القرشاوي والمرحومين نوبير الأموي وشناف عبد الرحمن..
وجاءت هذه الاعتقالات عقب الدعوة للإضراب العام الذي أعلنت عنه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والتي كان يتزعمها وقتها الرحوم نوبير الأمري..
وقد انتهى هذا الإضراب العام بتدخل “همجي” للقوات النظامية أسفر عن سقوط عدد كبير من الشهداء وما رافق ذلك من أحكام قاسية في حق المئات من المواطنين..
السلطات اعتبرت أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مسؤولة سياسيًا عن هذا الاضراب الذي شوش في نظرها على قمة نيروبي التي حضرها الراحل الحسن الثاني شخصيا..
ولأن الأمر كذلك، وحتى تكتمل الصورة، فقد قررت السلطات اعتقال المسؤول الاول عن جريدة المحرر المرحوم القرشاوي ثم عبد ربه لأني كنت وقتها المسؤول الجهوي للاتحاد الاشتراكي بالدار البيضاء..
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، ذلك أن يد الاعتقال ستمتد لتطال أيضا كل أعضاء المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
ولازالت أتذكر كيف احتفظت بنا كوميسارية المعاريف لمدة 18 يوما خارج القانون الذي ينظم الحراسة النظرية..
بعد ذلك، ستتم إحالتنا على ابتدائية الدار البيضاء عشية الاحتفال بعيد الشباب ليتبين للسلطات فيما بعد أن المحاضر المنجزة لنا غير كافية للاحتفاظ بنا رهن الاعتقال كرهائن سياسين..
لكن الذي سيقع هو أن رئيس الجلسة تدخل بفتوى مؤداها هو ضرورة إجراء بحث تكميلي من أجل الاستماع الى مجموعة من المسؤولين الأمنيين بكوميسارية المعاريف في قضيتنا..
وهكذا وجدنا أنفسنا من جديد أمام تهم ثقيلة لأن بعض الشهادات المختلقة قدمتنا كمجرمين وبأننا كنا نقود المظاهرات وأن هذه المظاهرات هي التي تسببت في إحراق الحافلات وفي إحراق الأخضر واليابس بالدار البيضاء..
حينها قررت المحكمة الابتدائية رفع يدها على ملفنا وإحالته على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف حيث تحولت الأفعال المفبركة الى جنايات عقوبتها هو المؤبد هو السجن مدى الحياة..
وهكذا اشتغلت آلة التكييف للعثور على “تخريجة قانونية” ظالمة أفقها هو الاحتفاظ بنا إلى أجل غير محدد بسجن اغبيلة..
وقد استمر هذا الاعتقال التعسفي في حقي الى غاية يوم 28 من شهر ماي 1983 بعد صدور عفو ملكي استفاد منه الإخوة شناف والبزاوي و لمراني..
وأقصد هنا العفو الذي صدر عشية الإعلان عن تنظيم انتخابات محلية لضمان مشاركة الاتحاد الاشتراكي فيها.
أتذكر أيضا أنه تم الاحتفاظ بالمرحومين الاموي والقرشاوي الى غاية شهر نونبر من نفس السنة لضمان مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات التشريعية..
أما رئيس الجلسة الذي أفتى بعدم الاختصاص لتتم إحالتنا على الجنايات، فقد أعفي من مهامه بعد أن رفضت وزارة العدل تعيينه رئيسا لابتدائية البيضاء فالتحق بسلك المحاماة وظل “منبوذا” بين زملائه في المهنة الى أن وآفته المنية في مستهل هذه السنة..
حدث كل هذا في وقلت لا زالت العديد من الأسر والعائلات تبحث عن رفات أبنائها دون نتيجة..
رحم الله شهداء “كوميرة” أجمعين”..