مصطفى عنترة يكتب عن الأمازيغية والربيع العربي
استفادت المسألة الأمازيغية كغيرها من المطالب الديمقراطية من رياح “ربيع الشعوب” او ما سمي بثورات “الربيع العربي” الذي كانت أحد ثماره انفتاح الإصلاح السياسي والدستوري على فاعلين جدد يمثلون حساسيات ثقافية وسياسية وحقوقية مختلفة، وتجسد في المغرب عبر التصويت على دستور جديد متقدم سواء في كيفية إعداده أو في طبيعة مضامينه.
كان الحراك الشعبي مناسبة تاريخية انخرطت في ديناميته الحركة الأمازيغية من خلال الرفع من سقف مطالبها، وهو الأمر الذي توج بترسيم اللغة الأمازيغية والاعتراف بالمكون الثقافي الأمازيغي الهوياتي في تناغم مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان.
لكن هذا التطور لا يجب أن نقرأه من باب أن ما تحقق في موضوع الأمازيغية هو نتيجة يعود الفضل فيها للحراك الشعبي الإقليمي وتداعياته على بلادنا من خلال “حركة 20 فبراير”، لأن عوامل عدة كانت فاعلة في هذا الوضع الجديد للمسألة الأمازيغية. كيف ذلك؟
أولا أن الملك محمد السادس تفاعل بشكل إيجابي مع المطالب الأمازيغية فور جلوسه على العرش بعد صدور “البيان الأمازيغي” الذي كان وراء هندسته شخصية وطنية وازنة لها بصمتها القوية في التحول الجوهري الذي عرفه موضوع الأمازيغية هو الأستاذ محمد شفيق (أطال الله في عمره)، وما تلى هذه الوثيقة التاريخية الهامة من نقاشات مثمرة وساخنة ببوزنيقة…
ثانيا أن الملك أرسى تعاقدا بين الدولة ونخبها من خلال خطاب تاريخي ألقاه بأجدير سنة 2001، سيشكل الفلسفة والمرجعية في التعاطي مع ملف الامازيغية الذي سيتحول بعدها كأحد محاور المشروع الديمقراطي الحداثي والاوراش الإصلاحية الكبرى التي ميزت العشرية الأولى من العهد الجديد.
ثالثا أن الحركة الأمازيغية كانت ضمن المكونات النشيطة ل”حركة 20 فبراير” واستطاعت الحضور في كل المحطات النضالية وفرض مطالبها والتصدي لبعض الحساسيات المتحفظة في هذا الشأن.
رابعا أن إلتقاء نضالات الحركة الأمازيغية مع الإرادة السياسية القوية والرؤية الإستراتيجية للملك، كان عاملا فاعلا في التطور الذي عرفته الأمازيغية التي حملت شعارات جديدة ك ” النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية” و” الأمازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية” و”ملك لكل المغاربة بدون إستثناء”.
من هذا المنطلق لا يمكن أن نعتبر أن ما تحقق في هذا الملف جاء بفضل “الربيع العربي” لأن قطار الإصلاح الذي شهدته الأمازيغية طيلة العشر سنوات الأولى كان حتما سينتهي في محطة الإعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية وإقرار الهوية المتعددة التي توجد في صلبها الثقافة الأمازيغية… هذا هو المنطق الذي كان سيسود لاسيما وأن الخطاب الملكي بأجدير دفع بل أجبر غالبية الأحزاب السياسية على مراجعة طروحاتها الفكرية وإعادة النظر في مواقفها السياسية لدرجة أن مواقفها تبدو جد متقاربة.
لقد اعتمد المغرب في معالجة الإشكالية الثقافية الأمازيغية على مقاربة اتسمت ببعد تدرجي، ابتدأت بالاعتراف السياسي بالأمازيغية في “خطاب اجدير”، ثم تدبير هذا الملف مؤسساتيا عبر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي قام بأداور كبرى في مجال التأهيل العلمي للغة الأمازيغية ووضع مقومات وشروط إدماجها في قطاعات التعليم والإعلام… وكان هذا التدرج سينتهي موضوعيا وحتميا إلى الحماية الدستورية والمؤسساتية التي تشهدها الأمازيغية اليوم.
تأسيسا على ذلك يمكن القول إن ثورات “الربيع العربي” كان عاملا مساعدا ساهم في هذا التحول الذي عرفته الأمازيغية وليس محددا وحاسما، لأن الأمازيغية كانت ضمن الأوراش الكبرى للعشرية الأولى من الألفية الجديدة بالمغرب، ومسار الإعتراف والمأسسة كان سيؤدي إلى الدسترة خصوصا أن تجربة إدماج الأمازيغية في قطاعات التعليم والإعلام تعثرت لغياب سند دستوري يجبر المسؤولين على التعاطي الجدي مع إدماج الأمازيغية.
من المؤكد أن التحولات الجوهرية التي عرفتها المسألة الأمازيغية جسدت ما يمكن أن نطلق عليه بالربيع الأمازيغي المغربي الهادئ والمثمر والمختلف جذريا عما عرفته الجارة الشرقية من ربيع أمازيغي أسود، خلف وراءه مع مرور الوقت توترا حادا بين الدولة والناطقين باللسان الأمازيغي، انتهى بالبعض منهم إلى حد المطالبة بحق تقرير مصير “القبايل” وتأسيس حكومة في الخارج تحديدا بفرنسا بزعامة فرحات مهني.
▪︎مصطفى عنترة صحافي وكاتب.