مصطفى الفن يكتب: رحيل كبير الاتحاديين عبد الواحد الراضي
رحم الله كبير الاتحاديين عبد الواحد الراضي الذي وافته المنية اليوم بالديار الفرنسية بعد أكثر من عملية جراحية وبعد رحلة علاج لبضعة أشهر وبعد مرض عضال لم ينفع معه دواء..
وأنا أتلقى خبر وفاة السيد عبد الواحد الراضي، فقد كان من الضروري أن اتصل بأكثر من صديق اتحادي لتقديم واجب العزاء..
لكن اتصلت أيضا لأتحدث مع أصدقائي الاتحاديين عن مسار شخصية اتحادية استثنائية بصمت تاريخ الاتحاد وتاريخ المغرب معا..
وأذكر أن كل هؤلاء الاتحاديين الذين تحدثت إليهم أجمعوا على أن الراحل كان يحظى “تقريبا” باحترام وتقدير جميع مناضلي وقادة الحزب مهما اختلفوا معه..
وكيف لا يحظى الرجل باحترام الجميع وهو الذي جسد قولا وفعلا مضمون هذه المقولة ذات المفعول السحري الناعم:
“عبد الواحد الراضي ممثل القصر داخل الاتحاد، وممثل الاتحاد داخل القصر”..
وربما لهذا السبب بالتحديد أيضا، كان بعض الاتحاديين يمزحون وربما بحضرة الفقيد نفسه والذي كان يتقبل هذا “المزاح” بصدر رحب:
“السي عبد الواحد الراضي عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي المكلف بالعلاقات مع القصر الملكي”..
وأنا أذكر بهذا الذي يعرفه القاصي والداني لأني أردت أشير إلى ما هو أهم من ذلك..
والأهم هو أن الراحل مارس السياسة بالوضوح الفكري وبالصراحة اللازمة مع الذات ومع الحزب ومع الدولة أيضا..
وفعلا فالرجل لم يكن مدعيا ولم يكن يقول الشيء ونقيضه ولم يكن ثوريا ولم يكن مبتزا ولم يكن يزايد لا على الدولة ولا على رفاقه داخل الحزب..
بل إن الراحل كان يعرف جيدا وبفطرة وفراسة “ابن القايد” قوانين وأعراف وحدود اللعبة..
“كثيرون انتموا إلى الاتحاد نظرا للظروف الاجتماعية التي نشأوا فيها، أما أنا ابن القايد أو ابن “الإقطاعي” في نظر الناس فقد انتميت إلى الاتحاد عن قناعة وعن اقتناع”..
هكذا قال الراحل لسيدة اتحادية في معرض نقاش ودي بينهما حول ظاهرة استقطاب الأعيان من طرف الحزب في المرحلة الممهدة لاحتجاجات الربيع العربي..
كما كان عبد الواحد الراضي يعرف أيضا سقف المطالب وسقف “المغرب الممكن” و”غير الممكن” حتى وإن كان يناضل من داخل حزب راوده حلم “إسقاط” نظام الحسن الثاني ذات سياق..
باختصار شديد، عبد الواحد الراضي شكل، مع محمد اليازغي دعامتين أساسيتين استند إليهما الزعيم الوطني عبد الرحيم بوعبيد في صراعه السياسي مع القصر ومع أجنحة الدولة العميقة وغير العميقة..
وأقول في شرح ذلك إن عبد الرحيم بوعبيد كان يعرف أحوال الطقس داخل الحزب ومشاكل الحزب وتنظيمات الحزب ومناضلي الحزب عن طريق محمد اليازغي..
أما أحوال الطقس في سماء القصر ورسائل القصر فكان عبد الرحيم بوعبيد يعرفها عبر عبر “رسول” الحزب “ذهابا وإيابا” والذي ليس إلا عبر عبد الواحد الراضي..
أقول هذا وأنا أستحضر أن عبد الرحيم بوعبيد كان صديقا مقربا للحسن الثاني في مرحلة من المراحل ولو أن الصداقة بنكهة السياسة ليست دائما خطا مستقيما..
المهم في هذا كله هو أن عبد الواحد الراضي كان دائما رجل توافقات ولم يكن أبدًا رجلا صداميا حتى في عز الصراعات والاصطدامات بين أبناء الحزب الواحد…
هكذا عاش عبد الواحد الراضي وعلى هذه الحال مات..
غير أن هذا لا يمنع من القول إن الرجل، وهو وقتها كاتب أول للحزب، استشعر أن الحزب هو غير الحزب الذي عاشه وعرفه..
ولأن الأمر كذلك فقد أصبح هاجس عبد الواحد الراضي هو ألا يموت الحزب بين يديه ولا يهم بأي أرض يموت..
تغمد الله الفقيد برحمته الواسعة ورزق أهله الصبر.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الصورة: عبد الواحد الراضي رفقة الأستاذ والمحامي الاتجادي محمد كرم