حركة 20 فبراير وحزب “الأصالة والمعاصرة”.. عندما قال الهمة “إن المشروع تعرض إلى “الانحراف”
مرت الآن 12 سنة بالتمام والكمال على أكبر حركة احتجاجية شعبية عرفها المغرب في تاريخه المستقل.
حصل هذا عندما خرج الناس في أكثر من 50 مدينة مغربية إلى الشوارع وإلى الساحات العمومية في مختلف جهات البلد ليطالبوا بإصلاحات من داخل النسق لا من خارجه:
“دستور جديد..”..
“ملكية برلمانية”..
“حل البرلمان..”..
“تشكيل حكومة انتقالية تشتغل تحت مراقبة الشعب ..”..
“إسقاط الفساد والاستبداد”.
“محاكمة المتورطين في الفساد ونهب الثروات”
“تشغيل العاطلين والحد من الغلاء”..
ونقصد هنا بالطبع الحركة الشبابية أو “حركة 20 فبراير” التي ستنضم إليها فيما بعد جماعة العدل والإحسان وهيئات سياسية وحقوقية ومدنية..
كما شاركت، في الحركة الاحتجاجية، شبيبات حزبية بما فيها شبيبة البيحيدي وبعض قادة هذا الحزب ضدا على قرار “شخصي” لأمينهم العام وقتها..
بل إن هذه الحركة الاحتجاجية، التي كاد أن يكون لها ما بعدها، شاركت فيها حتى نخب اقتصادية وازنة مثل الحاج ميلود الشعبي وابنه فوزي الشعبي الذي يقود اليوم “هولدينغ” العائلة المعروف ب”ينا هولدينع”..
وإذا كانت معظم الأحزاب والنقابات حافظت على بعض “حسن الجوار” مع “حركة 20 فبراير” إلا أن هذه الحركة صنفت حزب “الأصالة والمعاصرة” كما لو أنه “العدو رقم واحد للشعب”..
ولسنا في حاجة إلى أن نذكر هنا ب”الشعارات النارية” التي رفعها شباب وشابات 20 فبراير ضد رموز هذا الحزب وضد قادته والمنتمين إليه..
بل إن شباب هذه الحركة طالبوا بعض قادة البام بالرحيل في لافتات لا زالت إلى اليوم تؤثث مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وفضاءات الأنترنيت.
كما أن قادة “حزب الدولة” استشعروا مبكرا “التداعيات الخطيرة” التي يمكن أن تكون لهذه الحركة الاحتجاجية التي أطاحت بأنظمة سياسية قوية في أكثر من دولة عربية..
أذكر من هذه الأنظمة التي عصفت بها احتجاجات الربيع العربي نظام زين العابدين بنعلي في تونس ونظام حسني مبارك في مصر ونظام معمر القذافي في ليبيا..
وفعلا، فقد حاول قادة البام، الذين كانوا وقتها بمثابة “جهاز” يخافهم الجميع، “احتواء” هذه الحركة قبل أن يشتد عودها أو قل قبل أن يخرج ماردها من “القمقم”.
وهكذا التأم بعض “حكماء” البام في “لجنة” مصغرة وتدارسوا في “خلوة مطولة” تداعيات هذه الاحتجاجات ليس فقط على مستوى البلد..
ولكن أيضا على مستوى “حزب” أسسه صديق الملك في البداية ك”فكرة نبيلة” أفقها هو إحداث بعض التوازن السياسي مع حركات الإسلام السياسي التي كادت أن تكتسح كل شيء..
وبالطبع فقد تحدث الجميع في هذا اللقاء المطول عدا فؤاد علي الهمة الذي فضل أن يستمع أكثر، عوض أن يتحدث أكثر .
وحرص بعض الذين تحدثوا أن يذكروا في هذا اللقاء بما كان يفعله الراحل الحسن الثاني عندما كان يواجه بعض القضايا ذات الحساسية المماثلة لهذه الحركة الاحتجاجية..
وجاء في هذا التذكير أن الحسن الثاني كان يفضل في مثل هذه “الأزمات” أن يتحدث للمغاربة بالصراحة والصرامة اللازمتين عما هو واقع وعما سيتخذه من قرارات لتطويق أي أزمة منتظرة.
أما إلياس العماري فقد ذهب، في هذه الخلوة للجنة “الحكماء”، إلى “أن احتجاجات 20 فبراير هي خطر قادم قد يكون له ما بعده على استقرار المغرب”.
ولم يقف إلياس عند هذا الحد، بل إنه طلب من لجنة “الحكماء” بالبام بأن يسمحوا له بالاتصال برموز هذه الحركة للحد من “مفعول” هذا الخطر القادم.
غير أن بعض المتدخلين كان لهم تقدير آخر واستبعدوا حينها أن تشكل هذه الحركة أي خطر على البلد..
لكنهم توقعوا، بالمقابل، أن يواجه البام خطرا حقيقيا إذا استمرت هذه الاحتجاجات المطالبة برؤوسهم.
وهذا ما كاد أن يحصل بالضبط. فقد وجد قادة هذا الحزب، مع توالي الأيام، أنفسهم وسط نيران العاصفة وتحولوا إلى ما يشبه “الجمال الجرباء” التي يفر منها الناس خشية “العدوى”..
أكثر من هذا، فقد توارى رموز البام وقادته إلى الخلف، بل كادوا أن “يتبرؤوا” من مؤسس الحزب فؤاد عالي الهمة وتركوه وحيدا في مواجهة “إعصار” الداخل والخارج أيضا..
وكلنا يتذكر كيف كان صلاح الوديع أول من قفز من قارب الحزب، وكذلك فعل حكيم بنشماش الذي يريد اليوم مقعدا أو تقاعدا آخر بالمحكمة الدستورية..
أما صديقنا إلياس العماري فقد “طار” إلى فرنسا لاستئناف “الدراسة” بعد أن راج وسط المكتب السياسي للحزب “أن جهات عليا هي التي طلبت منه أن يغادر المغرب في انتظار أن تهدأ الأجواء”.
وكذلك فعل الشيخ بيد الله، الذي يريد اليوم هو الآخر منصب سفير، حيث توارى الى الخلف بنفس المبرر وهو أن “جهة ما” طلبت منه ذلك..
كل هؤلاء القادة ابتلعتهم الأرض واعتبروا البام ومؤسس البام جزءا من “ماض غير جميل” ينبغي الاغتسال منه..
لكن بالمقابل، ظلت بعض الأسماء القليلة من البام حاضرة في ساحة “المواجهة السياسية والإعلامية”..
وأذكر من هؤلاء الأستاذ حسن بنعدي الذي راح يدافع بوجه مكشوف عن أفكاره وأفكار حزبه ندا للند أمام الإسلاميين واليساريين وغيرهم من الغاضبين.
ولا أبالغ إذا قلت إن اختفاء العديد من قادة البام من ساحة الصراع السياسي في عز احتجاجات 20 فبراير يكاد يشبه “طعنة غادرة من الخلف” في حق الرئيس المؤسس للحزب..
وربما هذا ما لمح إليه فؤاد عالي الهمة شخصيا في رسالة استقالته من حزب الأصالة والمعاصرة عندما قال قولته الشهيرة:
“إن المشروع السياسي للحزب تعرض إلى انحرافات كثيرة”.
ويبدو أن فؤاد عالي الهمة كان ربما لطيفا واكتفى فقط بالحديث عن “الانحرافات الكثيرة”..
فيما الحقيقة هي أن ما وقع وقتها يتجاوز “الانحرافات” ليصل ربما إلى ما يشبه “الخيانات”..
ويكفي أن نذكر أن قادة كثيرين من حزب البام انتابهم الشك في عز هذه الاحتجاجات الشعبية وشرعوا في القفز من “السفينة” بهاجس واحد وهو البحث عن “حلول فردية” تحصن الذات الخائفة من شارع “هائج”..
وحده فؤاد عالي الهمة الذي ظل واثقا من نفسه وسط “هذا الإعصار” الذي أخذ يتمدد في كل جهات المملكة..
بل إن فؤاد عالي الهمة كان “ربما” الشخص الوحيد من المحيطين بالملك، الذي ظل “مؤمنا”، وبعمق، بالملك وبمشروع الملك في الإصلاح وفي التغيير..
أكثر من هذا، لقد كان الرجل مستعدا لأداء “أي ضريبة” يقتضيها هذا الإيمان العميق بالملك وبمشروع الملك..
وأتذكر أني سألت يوما ما إلياس العماري، ونحن بفندق هيلتون بالرباط، عن رد فعل فؤاد عالي الهمة وهو يرى محتجي 20 فبراير يرفعون صوره ويطالبون برحيله.
فماذا كان جواب إلياس؟
دعوني أنقل لكم هنا بأمانة ما قاله لي اين الريف في جوابه عن هذا السؤال:
“فؤاد عالي الهمة لا يرى عيبا في أن ينتقده الناس..
لكن المهم عنده هو ألا توجه هذه الانتقادات إلى الملك”.