ليلى بارع تكتب: مسرحية رحل النهار… الفن في مواجهة السلطة بكل أنواعها أفضل عمل مسرحي متكامل في الدورة الثالثة عشر لمهرجان المسرح العربي
بتتويج مسرحية “رحل النهار” للمخرج محمد العامري وتأليف الدكتور إسماعيل عبد الله بجائزة سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي متكامل، خلال الدورة الثالثة عشر لمهرجان المسرح العربي الذي احتضنه المغرب من العاشر حتى السادس عشر من شهر يناير الجاري، يكون المخرج
محمد العامري قد قدم عملا مسرحيا متكاملا، نجح من خلاله في تحويل نص المؤلف اسماعيل عبد الله من صور شعرية إلى عرض مسرحي متقن التفاصيل، مستخدما مهارات تقنية أبهرت كل من تابعوا
هذ العرض، إضافة للإدارة الجيدة للممثلين، واعتماد سينوغرافيا بصرية غير معتادة على المسرح العربي.
مسرحية رحل النهار، لمسرح الشارقة الوطني، قدمت للجمهور وجها جديدا للمسرح الخليجي وتحديدا الإماراتي، ونافست 11 عملا مسرحيا عربيا، لأهم المخرجين المسرحيين العرب بكل من
العراق والأردن ومصر والمغرب والكويت وتونس وسوريا، في عرض معتمد على الشاعرية والتقنية وفق تصور اخراجي مشتغل عليه بشكل كبير.
المسرحية الإماراتية ; رحل النهار; التي يمكن القول بأنها حققت من خلال عرضها قفزة نوعية في مسار المسرح الخليجي، من خلال الرؤيا النصية المنتقدة للسلطة بجميع تجلياتها سواء كسلطة عسكرية أو دينية، أو يسارية متطرفة، أو من حيث الرؤية السينوغرافية المبهرة بصريا، عناصر تم
تقديمها في قالب جمالي سلس سحب الجمهور إلى عوالم المسرحية التي جاءت حافلة بنفس شاعري
يقتبس و يتماهى مع عدد من النصوص الشعرية العربية، وقد نجح المؤلف اسماعيل عبد الله، في صهر نصه المسرحي مع مختلف النصوص الشعرية التي اختارها خلفية ثقافية وأسئلة تخترق جمود
العقل العربي. المسرحية التي قدمت بعربية فصحى راقية بعيدا عن أي ارتجال أو أخطاء لغوية، في أداء تمثيلي ولغوي تفوقت فيه الممثلة بدور محمد التي أشاد النقاد بآدائها.
ومن داخل عوالم النص المسرحي لهذا العرض، يجد المتابع نفسه أمام خطاب ثنائي حاد، يراوح بين
الأمل واليأس وبين الموت والرغبة في الحياة، عبر ثنائيات حوارية تتصاعد بسرعة، يؤججها في كل مشهد كورال مسرحي، يرمز للشعوب المقهورة، مكون من مجموعة من الممثلين الشباب، ممن تم اعتمادهم كخلفية تحاور الممثلين الرئيسيين في العرض، عبر تصميم لوحات راقصة تتغير باستمرار
بين مشهد وآخر، سواء من حيث الملابس أو الإضاءة.
وتتكرر مشاهد الرقص العصري في العرض، الذي اختار أن يكون خارج الزمان الحقيقي، لتساعد على ضبط إيقاع العرض في المفاصل الرئيسية التي تتغير فيها الأحداث أو تتصاعد بشكل كبير، لوحات راقصة مرفوقة بأناشيد أوبرالية جنائزية، تعكس عمق الاشتغال على نص يحاول التماهي مع ما يعيشه العالم اليوم من حروب ومآس وهجرة في قوارب الموت وحكام يتاجرون بكل شيء من أجل السلطة و المصالح الشخصية.
عن هذا العرض يقول الناقد القطري حسن رشيد; من وجهة نظري هذا العمل قفزة نوعية، ليس في مسار المسرح الاماراتي فقط بل الخليجي والعربي أيضا مضيفا بأن الهيئة العربية للمسرح ومسرح الشارقة يملكون الجرأة الحقيقية في تقديم هذا العمل… وقبل عشر سنوات ما كان من الممكن
أن يكون للمخرج محمد العامري الجرأة على تقديم هذا العرض المسرحي
اعتماد المخرج محمد العامري على عنصر السينوغرافيا، مستعينا بتقنيات حديثة جدا لم يقدمها أي عرض مسرحي آخر، خلال هذا المهرجان المسرحي العربي، تقنيات مسرحية قدمت النص الشاعري في بعده البصري والمسرحي برؤية حداثية شديدة التنوع، وهو ما أطلق عليه الناقد المسرحي
المغربي مسعود بوحسين: جمالية الفوضى، وما أسماه المخرج العامري بتعدد وتنوع المدارس
المسرحية داخل النص المسرحي الذي يتأسس على عدد من النصوص الشعرية ويتماهى معها.
وكأغلبية الأعمال المسرحية العالمية، التي تميل اليوم نحو ترك نهاية الأعمال مشرعة على نوافذ
الأسئلة الكبرى في الحياة، تقدم المسرحية نهاية واقعية، غير واضحة للمصير الصعب لشخصياتها.
نهاية تعكس عجز العقل العربي حتى اليوم على إيجاد منفد نحو الحرية والانعتاق، وإشعال منارةموانئه التي يمكن أن تقود أبناءه نحو نور المستقبل