الخبر من زاوية أخرى

مصطفى الفن يكتب: و”تلك الأيام” جزء من الذاكرة ومن المسار المهني أيضا

مصطفى الفن يكتب: و”تلك الأيام” جزء من الذاكرة ومن المسار المهني أيضا
مصطفى الفنمصطفى الفن

“الأيام” هي جزء من الذاكرة ومن تاريخي ومساري المهني المتواضع في هذه الحرفة “المتعبة” واللذيذة أيضا..

ولا أخفي أني أتذكر حاليا “تلك الأيام” بالكثير من الحنين ومن النوستالجيا ولو أني خدمت هذه الأسبوعية من داخل قسمها التقني وليس من داخل “صالة” التحرير.

نعم اشتغلت كمرجع لغوي ب”الأيام” ولو أن تكويني ودرايتي بلغة “الضاد” متواضعة ولا تتعدى اللمم.

لكن الحلم كان وقتها أكبر من ذلك وهو أن تتعلم الحرفة وهو أن تشتغل في جريدة وفي أي جريدة ومن أي موقع كان.

فما بالك أن تشتغل في جريدة اسمها “الأيام”، التي كانت وما تزال “مدرسة صحفية” كاملة الأركان، وبفريق من الصحافين النجوم؟

وفعلا، ف”صالة التحرير” حتى وإن كانت تضم حينها صحافيين شبابا في أول العمر لكن الأداء المهني لهذا الفريق كان عاليا ويضاهي علو الجبال.

ويكفي أن أذكر هنا أعمال واسم صحافية من قيمة مرية مكريم التي ارتبط وقتها اسم “الأيام” باسمها أكثر مما ارتبط بناشر ومؤسس هذه الأسبوعية.

ومن هؤلاء الصحافيين النجوم الذين جاورتهم وتشرفت بالاشتغال معهم بمؤسسة “الأيام” لا بأس أن أذكر بعضهم وأعتذر لمن لم أذكرهم:

أحمد مشكح

نجاة أبو الحبيب

هشام روزاق

مرية مكريم

أنس مزور

يوسف بجاجا

ثم مرت الأيام قبل أن يلتحق فيما بعد بهذا الفريق كل من توفيق بوعشرين والحسين مجدوبي..

أما ناشر هذه الجريدة السيد نور الدين مفتاح فقبل أن يكون “باطروني” في المؤسسة فقد كان أستاذا لي في معهد الإعلام والصحافة.

لكن كيف اشتغلت في هذه الأسبوعية “الغراء”؟

دعوني أقول أيضا إنه قبل أن ألتحق بأسبوعية “الأيام” كنت وقتها شبه مخدر بعشق المهنة أو بالأحرى كنت شبه تائه بين بعض الصحف الحزبية وبين كتابة مقال هنا ومقال هناك..

لماذا؟

لأنه قبل أكثر من عشرين سنة، كان مجرد ظهور اسمك في جريدة أو الكتابة في جريدة أو معرفة صحافي في جريدة أو الاشتغال في جريدة هو بمثابة “حظ عظيم” و”نصر من الله”.

وبالطبع هذا له ما يبرره لأن في ذلك الوقت لم تكن في المغرب سوى صحف حزبية ومعها بضعة جرائد مستقلة لكنها نادرة كندرة أسنان الدجاج..

وربما لهذا السبب كان الناس من جيلي يمازحون بعضهم البعض:

“إما تمشي ابحالك وإما غادي نخرج أنا وإياك في الجورنان..”.

و”الجورنان” خلال سنوات الثمانيات والتسعينيات وحتى بداية هذه الألفية، كان هو صحف المعارضة المتمثلة في الاتحاد الاشتراكي والعلم وأنوال والبيان ..

فهذا تقريبا هو السياق العام المؤطر لتلك المرحلة من تاريخ المهنة.

ومهم جدا أن أذكر أيضا أنه قبل الاشتغال ب”الأيام”، حاولت أن أشتغل ب”ميديا تروست” بأسبوعية “الصحيفة” وطرقت أيضا باب “الأحداث المغربية” لكن لم يحالفني الحظ.

وبينما أنا أتعلم تقنيات التحرير الصحفي كمتعاون بصفحة شبابية بيومية “الصباح”، في عهد رئيسها في التحرير الأستاذ طلحة جبريل، اتصل بي صديق عزيز هو الصحافي علي ليلي ليفاجئني بهذا العرض:

“يا صديقي مصطفى إن أسبوعية الأيام ليست في حاجة إلى صحافيين ولكنها في حاجة إلى مرجع لغوي، فهل اقترح اسمك على السيد نور الدين مفتاح؟”.

وطبعا كان ردي بما يقرب من هذا المعنى:

“السي علي، هذا العرض لا يرفضه إلا من سفه نفسه..”.

وفعلا التحقت بهذه الأسبوعية وصارت جزءا من الذات ومن الوجدان وتعرفت عن قرب على الكثير من الأصدقاء ومن الزملاء الذين لازالت علاقتي معهم مستمرة إلى حد الآن .

ومرت الأيام تلو الأيام إلى أن جاء وقت “الخلاف” مع ناشرها أو قل جاء وقت الرحيل لأن الخلود لله وحده..

وأعترف أني لم أحسن إدارة هذا الخلاف بعد مغادرتي الجريدة مع مشغلي السابق مهما كانت المبررات.

وهذه مناسبة لأعتذر للرجل علانية لأنه في شتى الأحوال يبقى السيد نور الدين صحافيا كبيرا ومهنيا كبيرا وتعلمت على يديه الكثير من أسرار هذه المهنة.

أما اليوم، فعلاقتي بالسيد مفتاح علاقة جيدة وخلاف الأمس هو اليوم جزء من الماضي..

واليوم أيضا، فأنا الذي أتصل بالسيد مفتاح بين الفينة والأخرى سواء بمناسبة أو حتي بدونها..

بل كثيرا ما نتبادل بعض “القفشات” لأن الكثير من الناس لا يعرفون أن ابن الحي الشعبي “درب السلطان” هو صاحب نكتة ولا يمكن أن يتحدث إليك دون أن ينتزع منك ابتسامات عريضة..

في واحدة من المكالمات الهاتفية بيني وبين السيد مفتاح قال لي يوما ما:

“أنا فخور لأنك مررت من الأيام..”.

وتابع مازحا وبلطفه المعهود وبضحكته المعهودة:

“ولكن مزيان ملي اجريت عليك..”.

وأعترف أني انفجرت أنا أيضا من شدة الضحك ولسان حالي يقول:

“شكرا لك السي نور الدين ومن عمق القلب أيضا..”.

وقد يأتي السياق الذي قد أتحدث فيه عن محطات عشتها خلال مروري بهذه التجربة المهنية الرائدة والمستقلة قولا وفعلا وتحريرا..

ولن أنسى أبدا الحوار الذي أجراه السيد نور الدين مفتاح مع الراحل إدريس البصري بعد إقالته من وزارة الداخلية.

لن أنسى هذا الحوار الذي كان بالفعل سبقا صحفيا اجتمعت فيه كل محددات ومقومات السبق الصحفي..

ولن أنسى أيضا الظروف التي رافقت نشر هذا الحوار خاصة أن نشره تزامن مع فرحة شعبية لها علاقة بقرب زواج الملك بالأميرة للا سلمى..

ولن أنسى أيضا كيف أن إدريس البصري، الذي كان ربما يريد تأجيل نشر هذا الحوار إلى ما بعد هذه المناسبة، اضطر أن يأتي إلى مقر هذه الأسبوعية، رفقة سائقه الخاص، وهو في حالة غضب “هيستيري”.

ومشهد أقوى وزير داخلية في تاريخ المغرب، الذي أوقف سيارته أمام العمارة التي تؤوي مقر “الأيام” دون أن يترجل منها، لازال عالقا بذهني ولا أعتقد انه سيمحى..

لأن هذا الذي كان أقوى وزبر داخلية في تاريخ المغرب والذي كان يخافه المغاربة أجمعون طيلة عقود من الزمن أصبح اليوم وبين عشية وضحاها مجرد مواطن ليس إلا..

لم يحك لي أحد وقائع هذا المشهد المثير وإنما عشتها لقطة بلقطة وشاهدتها بأم عيني التي سيأكلها الدود يوما ما..

ولهذه القصة بقية.