الخبر من زاوية أخرى

رحيل مؤسس مجلة “جون أفريك” الذي “رفض” محاورة الحسن الثاني

رحيل مؤسس مجلة “جون أفريك” الذي “رفض” محاورة الحسن الثاني
مصطفى الفنمصطفى الفن

رحل البشير بنيحمد الصحافي التونسي الشهير ومالك مجلة “جون أفريك” الموجهة لقراء الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية اليوم الإثنين عن سن ال93 بأحد المستشفيات الباريسية عقب إصابته بباريس بداء الكوفيد.

رحم الله الرجل وأكرم مثواه وأسكنه فسيح جنانه وإنا لله وإنا اليه راجعون.

ومع ذلك لا بأس أن نتحدث عمن يكون الراحل البشير بنيحمد ونتحدث أيضا عن طبيعة العلاقة التي كانت تربط مجلته بالدول الإفريقية وبالمغرب أيضا..

لماذا؟

لأن ما لا يعرفه كثير من الناس هو أن بنيحمد، المواطن التونسي الفرنسي، ليس مالك مجلة كانت تهمه أخلاقيات المهنة وصناعة منتوج إعلامي رصين في المقام الأول.

بنيحمد، الذي كان أصغر وزير إعلام تونسي في نظام بورقيبة قبل أن يغادر الوزارة ليؤسس “جون أفريك”، ليس صحافيا بالمعنى الكلاسيكي.

بنيحمد كان، قبل كل هذا وذاك، رجل أعمال ليس إلا..

والصحافة بالنسبة إليه ليست إلا صفقات عابرة للحدود وابتزاز رؤساء الدول الإفريقية لا أقل ولا أكثر.

بنيحمد هو ربما “الصحافي” الوحيد الذي كان له، في وقت من الأوقات، “دور ما” في الإطاحة “تقريبا” بجميع الرؤساء الأفارقة ومجيء آخرين سواء بالتي أحسن أو بالتي هي أعنف في شكل انقلابات عسكرية.

وليس سرا أن الرئيس السابق لتونس زين العابدين بنعلي هو الذي أنقذ مجلة بنيحمد في الكثير من المناسبات من الإفلاس المبين.

وقد سبق للأسبوعية الساخرة “لوكنار اونشيني” أن فجرت هذه القضية عندما كشفت قبل سنوات أن بنعلي مول عبر اثنين من المقربين إليه مجلة بنيحمد.

وواهم من يعتقد أن بنيحمد كان صحافيا يشهبنا نحن معشر الصحافيين البسطاء والمزاليط أيضا..

الراحل بنيحمد رحمه الله لم يكن كذلك على الإطلاق..

بل إنه كان يضع نفسه في خانة “رئيس دولة” له خدم وحشم بقصره الباريسي العامر.

ولأن بنيحمد كان يتصرف كرئيس دولة فقد رفض ذات سياق سياسي إجراء حوار مع الراحل الحسن الثاني.

بنيحمد رفض إجراء هذا الحوار لأن جميع الأنظمة الملكية بالنسبة إليه هي عائق حقيقي نحو انتقال الدول إلى الديمقراطية.

ولم يكتف بنيحمد برفض محاورة الراحل الحسن الثاني فقط، بل إنه اقترح أن يجري هذا الحوار صحافي غير معروف وقتها بالمجلة اسمه فرانسوا سودان.

بنيحمد فعل هذا فقط ليغيظ ملك المغرب الذي كان يواجه وقتها أنظمة ودولا بكاملها ومعها معارضين مغاربة في الداخل والخارج.

ولأن الراحل الحسن الثاني فهم “الرسالة” فقد رفض هذا “السلوك الأرعن” ليتبين فيما بعد أن ما كان يهم بنيحمد ليس حوارا مع ملك المغرب بل الذي كان يهمه هو “الدعم” المغربي لمجلته “الغراء”..

وطبعا تكفلت بهذه “المهمة” أجهزة وزارة الداخلية في عهد إدريس البصري رحمه الله..

وهناك صحافي شاهد ربما على هذه “العملية” اسمه (ع.س) فعنده الخبر اليقين.

ولأن بنيحمد لا يفهم الصحافة إلا بلغة الصفقات فقد عرض عليه الاعلامي الثري السعودي عثمان العمير سنة 2005 بيع مجلته له، لكن بنيحمد لم يقبل الصفقة، لأنه على دراية بأن “جون افريك ” لا تباع بثمن، ولأنها مثل الدجاجة التي تبيض ذهبا وفضة .. وألمازا ، في كل الازمنة ومع أغلب الانظمة، خاصة في افريقيا .صحيح أن حضور بنيحمد داخل “جون أفريك” ظل خلال السنوات الأخيرة مجرد حضور شرفي ورمزي لأن ابنيه أمير ومروان هما اللذان واصلا مسيرة الأب وهما الكل في الكل في الشركة الناشرة ل”جون أفريك”.

وصحيح أيضا أن هذه المجلة قد تعرضت للمنع سنة 76 من طرف السلطات الجزائرية بعد اتهامها بمغازلة المغرب.

والمقصود هنا تلك “المصالحة” التي قام بها الصحافي حميد برادة بين المجلة والسلطات المغربية عبر صديقه حميدو لعنيكري الذي كان وقتها على رأس بعثة عسكرية إلى الزايير.

وصحيح أيضا أن مدام بنيحمد الفرنسية دانييل كلما حلت بالمغرب إلا وزارت حميدو لعنيكري..

لكن للمجلة خطا تحريريا ثابتا ببعد عقدي لا يتغير.

إنها شركة عائلية دولية راكمت تجربة كبيرة في ابتزاز الدول والأنظمة الأفريقية ليس إلا.