الخبر من زاوية أخرى

جمال هاشم يكتب: ذكرى 16 ماي.. في مواجهة الوباء الإرهابي

Avatarجمال هاشم



تحل ذكرى الأحداث الإرهابية الأليمة ليوم 16 ماي 2003 في ظروف إستثنائية بسبب الجائحة التي اجتاحت العالم .

جائحة لا تختلف في انتشارها وتهديدها لحياة الناس عن جائحة الإرهاب المتدثر بالدين والذي لا زال البحث جاريا عن (( اللقاح)) الفعال الذي سيقضي عليه.

لقد عاشت مدينة الدار البيضاء قبل 17 سنة ليلة سوداء هزت متفجراتها ذلك اليقين والإطمئنان على مغربنا بأنه استثناء له مناعة ضد الوباء الإرهابي ، باعتباره بلدا ينهج تدينا معتدلا وله مؤسسة ساهرة على أمور الدين ووحدة الأمة هي إمارة المؤمنين .

لا أن خفافيش الظلام كان لها رأي آخر وكانت تشتغل في الخفاء على تكسير هذا الإستثناء وهز قناعة المغاربة في صلابة مؤسساتهم واستقرار بلدهم.

 في تلك الليلة الدموية اتفق 14 شابا إرهابيا أغلبهم من الأحياء الصفيحية لسيدي مومن، بتنسيق مع أمرائهم في الداخل وفي الخارج على هز سكون العاصمة الإقتصادية للمملكة.

ولم يكن اختيار أكبر مدينة مغربية اختيارا عبثيا كما لم يكن يوم 16 ماي صدفة  بل هو تحدي لأنه عيد الشرطة ويوم عقيقة ولي العهد.

لقد هزت التفجيرات القوية فندق فرح ونادي كازا دي إسبانيا والمقبرة اليهودية ومركز ديني يهودي ومطعما قرب قنصلية بلجيكا..

وكان المنفذون أحد عشر إرهابيا بعد أن تراجع ثلاثة في آخر لحظة عن التنفيذ وكانت الحصيلة 45  قتيلا بينهم 11 إرهابيا وأكثر من مائة جريح ومن ذوي عاهات دائمة.

لقد خرج المغاربة بعد الحادث في مظاهرة مليونية لاستنكار الحدث ورفض هذا الفكر الدخيل.

وتأكد منذ ذلك التاريخ أن المغرب أصبح مستهدفا من قادة التنظيمات الإرهابية لتحويله لقاعدة خلفية لعملياتها في أوروبا.

وهذا ما سيقود بلدنا فيما بعد إلى الإنخراط الجدي في الحرب الدولية على الإرهاب والتنسيق مع الأجهزة الإستخباراتية للدول الصديقة لقطع دابر هذا الوباء.

لقد كان لاعتقال ثلاثة إرهابيين تراجعوا عن تفجير أنفسهم دور حاسم في اعتقال كل أعضاء التنظيم من متعاونين ومؤطرين وشيوخ ما كان يسمى بالسلفية الجهادية المتهمة الرئيسية بوقوفها وراء هذا العمل الإرهابي.

وبلغت الإعتقالات حوالي ألفي شخص سيحاكمون بقانون الإرهاب الذي تبناه البرلمان المغربي يوم 28 ماي 2003.

لقد راجعت الدولة منذ تلك الأحداث الإرهابية مختلف مقارباتها، وأعادت هيكلة الأجهزة الأمنية بخلق جهاز خاص بمتابعة الإرهابيين والمجرمين الدوليين.

 كما اعتمتدت مقاربة إستباقية نجحت في تفكيك العشرات من الخلايا النائمة في مهدها وساعدت عدة أجهزة استخباراتية دولية بمدها بمعلومات مهمة لتعقب الإرهابيين.

 وإن لم يمنع ذلك من مواصلة الإرهاب الدولي استهدافه لبلدنا بتفجير آخر بمقهى أركانة بمراكش سنة 2007  وحدث إرهابي آخر سنة 2011 قبل آخر حدث إرهابي وهو ذبح سائحتين نواحي مراكش..

إن هذا الإستهداف المتواصل للمغرب من خلال استقطاب شبابه إلى مختلف التنظيمات الإرهابية التي تعتمد قراءة متشددة للدين لممارسة التطرف والتخريب والقتل.. دفع الدولة إلى تنويع مقارباتها لتطويق هذا الوباء.

وذلك عبر:

– الإنخراط في الحرب الدولية على الإرهاب لتفكيك تنظيماته الأخطبوطية.

– اعتماد مقاربة أمنية تخصصية استباقية حازت تنويها دوليا.

– تطوير التشريعات الخاصة بمحاربة الوباء الإرهابي.

– إصلاح المجال الديني تحت إشراف إمارة المؤمنين وتطهيره من كل القراءات المتشددة المستوردة.

– اعتماد مقاربة اجتماعية تضامنية ومحاربة استغلال فقر الناس لاستقطابهم للفكر المتشدد.

– إصلاح المناهج التربوية وتنقيتها من كل القيم الداعية للتشدد واللاتسامح.

– سن خطة إعلامية تنويرية لنشر قيم التسامح والإعتدال.

إن ذكرى هذه الأحداث الأليمة مناسبة لنا جميعا للترحم على أرواح الضحايا واستخلاص ما يكفي من الدروس بمحاربة الإرهاب في جذوره.

والهدف بالطبع هو لكي لا يتكرر ما جرى ولكي نساهم جميعا في تحصين بلدنا من كل انزلاق ونهج نموذج تنموي تشاركي حداثي ديمقراطي منفتح على المستقبل.