محمد عاطر.. من رحم “كاريان سانطرال” الى نجومية “ريحة الدوار”
قبل أن يصبح محمد عاطر اليوم فنانا ونجما له جمهوره وله معجبوه ومعجباته وقبل أن يصبح صاحب برنامج إذاعي يطل منه الناس على المغرب العميق بعنوان لافت: "ريحة الدوار"، تعرفت على هذا الشاب أول مرة قبل قرابة 20 سنة وأنا أشتغل وقتها بأسبوعية الأيام.
كان عاطر يزورنا مرة واحدة في الأسبوع
.
وكان يزورنا تحديدا يوم "البوكلاج" الخاص بأسبوعية رياضية (الأيام الرياضية) والتي كان نور الدين مفتاح أسند إدارة تحريرها الى صحافي من ألطف خلق الله هو أحمد امشكح ذكره الله بخير.
وسأعرف فيما بعد أن عاطر كان يزورنا بمقر الأيام ليس ليقرقب معنا الناب فقط وإنما كان يزورنا، وهذا هو الأهم، لأن له صديقا حميما هو الصحافي حسن البصري.
ولأن حسن البصري كان واحدا من الصحافييين الذين جاء بهم أحمد امشكح لتعزيز فريق العمل بهذه الأسبوعية الرياضية فقد كان عاطر يأتي عندنا الى الجريدة ليقضي النهار كله رفقتنا ورفقة صديقه الحميم حسن.
ولا أبالغ إذا قلت إن عاطر وحسن البصري هما صديقان لعملة واحدة لها عنوان واحد هو الوفاء حتى أن اسم "ريحة الدوار" الذي نال به ابن كاريان سانطرال هذه النجومية كان من إبداع حسن البصري.
ولا تختلف ربما صداقة هذين الشابين في أي شيء عن الصداقة التي جمعت بين عبد الإله بنكيران وعبد الله بها لأن حسن وعاطر لا يفترقان إلا ليلتقيا من جديد.
وأتذكر أن زيارة محمد عاطر لمقر الجريدة بالتزامن مع إقفال عدد هذه الأسبوعية الرياضية لم تكن تمر في صمت أو في هدوء أو بلا مشاكل مع أحمد امشكح
.
بل إن هذه الزيارة الأسبوعية كانت بحق حدثا غير عادي لأن عاطر كان يشبه "ماكينة كلام ونكت" وكان لا ينهي نكتة إلا ليبدأ في حكي أخري.
أتذكر أيضا أن امشكح كان لا يخفي "انزعاجه" من عاطر عندما يرى أننا نضحك أكثر مما نشتغل أو عندما يرى أننا نسينا أننا في بوكلاج وأننا نشتغل في جريدة تسابق الزمن لكي تصل الى المطبعة في وقت محدد وتنزل الى الأكشاك في وقت محدد
.
ولا زلنا نحكي لبعضنا البعض كيف أن احمد امشكح تفد صبره ذات يوم قبل أن يخرج عن تحفظه ليقول بصريح العبارة لعاطر: "أسيدي اخرج بعد منا خلينا نخدمو..".
وما خرج عاطر وما توقف عن الكلام أو الضحك وما تركنا نشتغل ولكنه واصل شغبه ونكته وضحكنا مرة ثانية وثالثة وضحك صديقنا السي أحمد امشكح أيضا.
لكن مع مرور الزمن والوقت سأعرف فيما بعد أن محمد عاطر هو موهبة بأبعاد شتى خرجت من عمق كاريان سنطرال الذي أنجب أيضا الكثير من النجوم
.
ارتوى عاطر من ماء لعوينة ومارس شغبه الطفولي قرب الصاكة الصفراء، وتردد على ملعب الحفرة ليعيش مجد معشوقته "الطاس".
وقبل أن يسدل الليل ستائره يرتمي عاطر في حضن حلقة ساخرة في "الشابو" ثم يعود إلى مسكن أسرته منهكا.
وكواحد من أبناء الكاريان، قضى عاطر طفولته بين الملعب والمدرسة والحلقة
.
وكان عاطر عنصرا أساسيا في تشكيلة رفاق يقاسمونه نفس الأهواء، ويعيشون جميعا حياة البسطاء بتفاصيلها الشاقة وبوتيرة سريعة وهم يختزلون عدة حيوات في حياة واحدة.
وكريان "سانطرا" بلا لام في آخر الكلمة هو ليس كاريانا واحدا. إنه مجموعة من الكاريانات لكنها كلها في الفقر والحرمان سواء.
هناك كريان بوعزة وكريان خليفة وكريان ولد لحسن، والحايط والكمرة وجانكير والعرش والرحبة والجير..
فكلها كاريانات يتقاسم أبناؤها نفس الهوايات ونفس تقاسيم ونفس ملامح الوجوه.
أقول هذا رغم أن فئة من أبناء هذه الكريانات قدر لهم أن يعيشوا بين دروب كريانات أخرى ترمز هي بدورها لمرارة العيش والإقصاء والتهميش مثل كريان "لاحونا لا فران لا طاحونة"، وكريان "حاوزونا بلا ما يعلمونا".
تقاذفت الأحلام بعاطر أو "عطاري"، وهذا هو اسمه المكتوب في دفتر الطفولة، بل رمت به الأماني في ملعب الحفرة وهو يحاكي نجومه المفضلين كالمدني وقاسمي وعبد الرحيم وفركس وغيرهم.
وليس هذا فحسب فقد سددته الأماني نحو فضاء الفرجة بين حشود الحلايقية،
وهكذا أخذ عاطر عن "اخليفة" فلسفته في السخرية وعن "لمسيح" رمزية الشهامة وعن "الطنجوي" معنى الفن النبيل ودروس الدفاع عن النفس والثقة فيها