قضية بوعشرين.. لا تصلبوا “صاحبة الجلالة”!
لا يعالج الحقد الأعمى من الأمر شيئا.. حقد أعمى ضد الصحافي توفيق بوعشرين. حقد فيه قيح كثير.. حقد من أزمنة الجهالة. حقد لا إنساني، ولا بشري، ومتى كان الحقد بشريا أو من جبلة الحق.
يفرم بعض الطارئين على مهنة الصحافة، لحم الرجل، ويعملون السكاكين في جسده، وتتناسل الإشاعات، ويستبق البعض حكم القاضي ويصدر الأحكام.
هذا مناخ لا يليق بالحقيقة، ولا يساعد عليها. والحقيقة هي ما يريده الجميع: مشتكون يضعون أنفسهم في صف الضحايا، ومتهم لم يثبت حتى الآن ما يدينه، يكبو وحيدا في معتقله.
الحقيقة، والعدالة، والإنصاف، ليس كلاما يقال في "المانشيتات" والعناوين الصحفية، بل هو مسار. والمسار أصبح محددا بزمن وإطار، وسين وجيم، واستنطاق ونفي وإثبات، ولا ينفع اليوم التهافت ولا التشفي ولا طحن "المطحون" في هذه المهنة الملعونة.
لننتظر كلمة القضاء. وقليل من التروي يساعد، وبعض من الحكمة والعقل يجيب عن الأسئلة العالقة: هل، متى وأين وكيف ولماذا؟
فخارج مجالس النميمة، وبالونات الكذب وفرقعات التجني، هناك دولة، وهناك عقلاء يسيرونها، وهناك قانون، وعدالة نؤمن بها، ونريدها أن تتحق للجميع.
وحتى ذلك الحين، وهو زمن لن يكون بعيدا، بعض الصبر.
فالكف عن الردح مطلوب، والترفع عن لعق القيح واجب. وكفى من التبجح "بالتعفف" والكرامة الزائدة، وأن الآخر هو الجحيم، وأن ذواتنا محصنة عن الإتيان بأي مذمة أو لائمة.
فمن كان بلا خطيئة فليرمها بحجر.
قليل من العقل، يا ممتهنو هذه المهنة، ولا تحرقوا المراكب جمعا جمعا، ولا تسوّدوا وجه "صاحبة الجلالة" المفترى عليها..
لقد أوشكتم أن تجعلوها مستباحة، ذميمة، ومرغتم جبينها بلغة المجاري، ولم ترفعوها إلى مستوى السيدة التي ترافع عن المجتمع ولسان الضعفاء والمغلوبين والصامتين.
الصحافي توفيق بوعشرين الآن، في محبسه، يتأمل أو يتألم، يعيد تنشيط ذاكرته، يراجع أو يندم. يشعر بالغبن أو يتحسس أماكن الطعنات.
هو لن يعود كما كان، بريئا أو مدانا، لن يسبح في النهر مرتين، ولكن على ممتهني هذه المهنة، عدم تجاهل ما تضمره الأيام من مساوئ، وما تختبره صحافة الرأي من محن.
بريئا أو مداناً، سيقول القضاء كلمته، وسينطق القاضي بالحكم، وأما التاريخ، فسيكتب في صحيفته: كيف بدّدت نخبة الإعلام في البلاد فرصة صناعة لحظة تاريخية في العدالة والإنصاف.. لحظة كان يمكن أن تكسبنا الكثير من الاحترام.
الفرصة الذهبية أمامكم، فلا تصلبوها!