هل سيجرؤ بنكيران على كتابة مذكراته؟
حكيم عنكر
لا يحيل هذا العنوان على التسليم بتقاعد الرجل بعد الخروج من رأس الحكومة ومن أمانة الحزب.
بنكيران نفسه لم يعلن تقاعده. وصحبه يقولون: يمكن أن يعود بعد أربع سنوات.
هناك مبدأ علمي وفلسفي يقول: لا يمكن أن نسبح في النهر مرتين.
قد نعود من حالة مرضية أو من وضعية صعبة أو من امتحان إنساني، لكن هل نعود كما كنا بلا آثار أو كدمات أو جراح تبقى مفتوحة الأفواه.
وقد يحدث أن يعود بنكيران في المستقبل، لكن بأي صفة وضمن أي سياق، وبأي لسان.
حدث أن عاد أناس من الماضي. لكن ليس كي يقرروا في الحاضر والمستقبل، بل كفرجة او حالة حنين متأخر او محاولة رتق ثقوب.
وحدها النصوص، دينية كانت أو فكرية، من تحكم في المستقبل وتسير الحاضر.
…..
حين أطرح نص بنكيران وشهادته على زمنه، أطرحه من هذا المنظور.
ولكن كيف سيكتب ذلك النص، وهو البعيد عن لغة المكتوب.. القريب من لغة الكلام.. هل سيتحدث ويكتب الصحب أم سيختلي خلوة الكاتب كي يحرر ما بذهنه ويزنه بميزان الذهب؟!
الكلام كما نعرف مطلق القيد ومنفلت. إنه مثل الساحل والبحر ومثل الريح ورمال الصحاري المتحركة.
في حصيلة بنكيران كمية وافرة من المادة الصوتية والبصرية.. آلاف الصور ضمن مساره خلال عشر سنوات تألق فيها بلا منازع كقيادي إسلامي..
قوته هنا أنه لا يخفي مرجعيته، بل يجعلها في الصدارة، فاتحة له القلوب وصناديق الانتخاب.. ولكن إلى متى؟
لقد كان يعرف بنكيران ان ذلك لا يطعم خبزا ولا يداوي مريضا ولا يوفر شغلا لعاطل، لكنه لعب اللعبة كلها، ولعله نجح في ذلك.. إذ لم يترك لمن يأتي بعده فرصة التكرار.
…..
يقول بنكيران في كل المناسبات إنه يمتلك السر ولن يفشيه.
لكن ما هو هذا السر العظيم؟
قد لا يكون هناك سر بالمرة. وقد يكون مجرد غموض ضروري يضفيه الرجل على نفسه، فالهالة ضرورية للزعيم.
إنها مثل الترياق يقدمه لنفسه كل صباح كي ينهض من اعطاب الطريق.
تقدم لنا الأساطير الأجوبة، والنصوص الدينية كذلك.
عندما قيلت تلك الجملة الشكسبيرية الشهيرة في مسرحية "يوليوس قيصر ": حتى أنت يا "بروتوس"، كان ذلك يلخص موقف الزعيم وهو يتعرض للخيانة..
هذا ما قالته الأساطير.. فماذا سيقول بنكيران؟
وبأي مداد سيكتب؟ بمداد الخيبة أم بحبر اليقين؟!
وحتى تخبو جمار الطعنات، قد لا يتبقى له وقت أو مزاج للكتابة.
لقد انتهت اللعبة وكان بنكيران مجرد كومبارس فيها.. فشكرا له على المشاركة.
