معنى أن تكون مغربياً!
في إقامتي على مرحلتين خارج البلاد، كان السؤال الذي يواجهني من طرف أغراب مثلي يلتقون في الأماكن العامة أو مرافق العمل، أو فسح الاستراحات، من أين أنت؟ Where are you from.
من اين أنت؟
من أي بلد أنت؟
ما اسمك؟
هي الكلمات المفتاحية الأولى في ركن التعارف "الدولي" ومدخل أساسي لرسم صورة عن الشخص الذي أمامك، ومؤشر مهم للاستمرار في الحديث إليه، أو وضع الحواجز دونه والانصراف عنه.
في البداية كنت أراوغ، أحيانا أنا مصري، واحيانا أخرى سوري، وثالثا جزائري أو تونسي. وقلما كنت أذكر أني مغربي.
كان الأمر يتخذ نوعا من التملص من هذه الأسئلة "البوليسية".
أفضل الانتماء إلى الجمهور العريض لهذه الجاليات التي تعد بالآلاف، ثم وجدت أن هؤلاء الأشقاء، ليسوا أحسن حالا منا، إن لم أقل إن حالهم أسوأ.
كنت أجد سؤالا: من أي بلد أنت؟ بلا معنى.
زيادة على ذلك، لم يكن يعني شيئا القول: أنا عربي. فكلمة عربي عامة بالنسبة للأجنبي، الإنجليزي والألماني والأمريكي والفرنسي أو للجاليات الآسيوية.
العربي الوحيد هو المالك للثروة، أما الباقي فأرقام، وعلى وقع الثروة تدور رحى الحروب وترفرف رايات السلام.
عندما أذكر أني موروكو، كان يجد مخاطبي صعوبة في تحديد موقع morocco على الخريطة.
كنت أشرح له بروية أننا شعب يقع في شمال إفريقيا، نتكلم العربية والأمازيغية والفرنسية. وأذكر له مدننا الشهيرة، مراكش، كازبلانكا.. كانت هزات رأس مخاطبي أشبه بالذي يقول لك: فهمت ولم أفهم.
والحقيقة، كنت أستثقل جهلهم، وأقول مع نفسي: الأجانب فاشلون في الجغرافيا. ثم أتساءل، كيف لهؤلاء القوم لا يعرفون أننا أجمل بلد في العالم، وأننا نشكل اسثناء في الجوار القاري والإقليمي وأننا بلد العروي واليوسفي والجابري وبنكيران وأوريد وعويطة والزمزمي وناس الغيوان وكناوة والصويرة وأحيدوس وموسيقى البولفار، وبلد التشرميل والكرعة(اليقطين) وبلد الكس كس..
هل من المعقول أن لا يكون هؤلاء الأقوام قد سمعوا بنا أو قرؤوا عنا ولو بعض الأسطر في المعاجم والموسوعات وفي وسائل الإعلام؟
مستحيل ألا يكونوا سمعوا عن "منجزاتنا" في داعش وعن نجمنا اللامع في سماء الكرة، بنعطية؟
هي مؤامرة حضارية ضد هذا الشعب الأبي، الذي عاش أجداده على ظهور خيولهم، محاربين وفاتحين..
ألا يعرفون أن حدودنا كانت نهر النيجر والسودان، وأما الأندلس، فما هي ببعيدة؟!
اللحظة الوحيدة التي تتفتح فيها المآقي وتتسع، عندما يجري الحديث عن الحشيش المغربي، "الكنابيس".
آنذاك تصبح الخريطة المجهولة معلومة، ويبدأ محدثي في كيل المدائح للنبتة الساحرة، فهو تذوقها في باريس أو امستردام، أو حواري لندن أو في غيرها من بقاع الأرض.
يحكي بعض من زار البلاد أنه استطيب"الساحرة".. يحكي عن ذلك بامتنان بالغ.
أقول مع نفسي متضرعاً: اللهم طول "كيفنا" واجعل مفعول "كنابيسنا" أمرا مقضياً.
ثم جاءت داعش، وجاءت تفجيرات فرنسا وبلجيكا وخرجت الذئاب المنفردة، فأصبح إعلان الانتماء رغبة حذرة.
بدأت كلمة مغربي تأخذ رمزية جديدة: شاب مزنر بحزام ناسف، يلبس حذاء رياضيا وسروال جينز ويطوف متخيرًا المكان الأفضل لتفجير نفسه: كنيسة أو مسرح أو شارع سيار، مغربي أو مغاربي مجنون يسوق شاحنة ويدهس مشاة مسالمين في شارع خلفي.
أذكر الزوجين الأستراليين، في المطعم ذاك المساء. اقترب مني الرجل، سألني بفضول الغرباء: من أي بلد أنت؟ أجبته: مغربي.
تهلل وجهه وقال لي: أنا وزوجتي أستراليان، نحن هنا في إجازة، ومد يده مصافحا بحرارة، وأضاف: هي تعرف الفرنسية، ثم خاطبها: هيا تعالي، إنه مغربي، تحدثي إليه بالفرنسية..
ردت الزوجة الستينية بعدوانية: مغربي، ألا تذكر ما فعل بنا كريم، هل تذكر أي ألم سببه لنا؟ ثم استدارت نحوي وصاحت في وجهي: تبا لك، سير تقو…!
كنت أهم بالرد عليها، ضغط الزوج على يدي: لا عليك، إنها تخرّف، لقد أفرطت! ثم ابتعدا..
كنت أفكر طيلة ذاك المساء وأتساءل: مالذي فعله هذا المسخوط كريم.
هذا المغربي الذي ذهب حتى أستراليا ليسوّد وجوهنا، أي فعل مشين يكون قد ارتكبه في حق من استضافوه.. وأساء إلى سمعتنا وسمعة كسكسنا وحشيشنا.. مالذي فعله بحق السماء؟!