الخبر من زاوية أخرى

ماذا بعد تأبين الأحزاب؟

Avatarأمينة ماء العينين


إن الخلاصة الأبرز التي يمكن أن يسجلها المتتبع للشأن السياسي في المغرب هي المجهود الكبير الذي بذل ولا يزال يبذل لتشييع الأحزاب السياسية في صيغتها القوية والمستقلة والمتمتعة بالمشروعية والامتداد الشعبي.



في نفس الوقت، يتبادر سؤال مركزي للأذهان:

ما هي البدائل التي يمكن توفيرها في ظل دولة تتمسك ظاهريا بالأعراف الديمقراطية وتحاول ترويج نموذج خاص في المنطقة عنوانه الانتقال الديمقراطي؟



لا يبدو أن الجواب متوفر بنفس وضوح مخططات تأبين الأحزاب السياسية ما بين الاستهداف المباشر للتشويه والإضعاف وما بين التدجين وقص الأجنحة  وما بين التوجيه المباشر بالإخضاع والاستصغار.



الإشكال الأول الذي ينتصب أمام هذا الاختيار هو تغافله عن تحولات نوعية تخترق بنية الوعي السياسي المغربي مع جيل جديد يمارس السياسة بأشكال لا تقليدانية مستثمرا سهولة التواصل عبر الوسائل الإلكترونية الجديدة وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي.



هذا المعطى يذكر بصعوبة الاستمرار في توهم سهولة توجيه الرأي العام لانفلات الوسائط وتعددها وانفتاحها على العالم.



صحيح أن نفس آليات الضبط يتم توظيفها لتوجيه وسائل التواصل الاجتماعي غير أن المسار الذي يتخذه تطور هذه الوسائل ينبئ بوضوح بتعذر الأمر شيئا فشيئا.



في مرحلة أولى، ينساق الجمهور مع سردية اغتيال الحزب وامتهان السياسة واحتقار السياسيين بترويج تمثلات يمعن أصحابها في صناعتها ليتم استثمارها في مرحلة لاحقة.



بمعنى صناعة السلاح واستعماله ثم تصنع انتقاده وتصدير الشكاوى المستمرة منه.



تبدأ اللعبة من الانتخابات باعتبارها الامتحان الأصعب في حياة كل مشروع سياسي، فيتم إفسادها وتسهيل تلويثها بالمال واقتحام الأميين والجهلة وأصحاب المصالح الصغيرة عبر بوابات أحزاب عريقة تم قصفها حتى صارت تتوسل المقاعد بأي ثمن.



المرحلة اللاحقة تكمن في احتقار المؤسسات المنتخبة التي يتم إغراقها بمن لا يستوعب أدوارها، فيظل أسير فكرة كون تواجده بداخلها لا يعدو عن كونه منة وعطية يجب أن يؤدي مقابلها فروض الشكر والامتنان في كل موقف.



نفس الآلة تتدخل لطحن كل من يحاول أن يشكل نتوءً في سطح ينتظر دائما أن يكون مستويا بلا لون ولا طعم ولا رائحة.



ثم ماذا بعد التأبين الكبير للأحزاب في الحس الجمعي الذي يصير رافضا للتعاطي مع السياسة من أبوابها التقليدية؟



لا شك أن البديل سيتشكل سريعا خارج دائرة الأحزاب التي تظل مجرد هياكل فارغة لا تحظى بأية جاذبية،

حينها تصير قواعد اللعبة مختلفة تماما ويتحول الشكل الممأسس للتمثيلية الى خلايا فئوية صغيرة تغذي حركة احتجاجية من نوع جديد.



حركة لا تعترف ضرورة بالقنوات التقليدية التي نجحت آلة الإنهاك في إقناعها بلا جدوائيتها.



حينها تتنامى وسائل التعويض المجتمعي حيث يبحث الناس عن طريقة لإيصال أصواتهم.



يجب الانتباه إلى أن توسيع المشاركة السياسية واقتناع الناس بالانخراط في العملية السياسية عامل أساسي من عوامل التوازن الاجتماعي.



بطبيعة الحال لا يمكن انخراط الجميع، غير أن النواة الصلبة للمشاركة تظل جاذبة للبقية متابعة وتشجيعا ونقدا وتفريغا لمشاعر الخيبة والانتقام التي لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات.



وبذلك لا يمكن الحديث عن اختيار ديمقراطي بأحزاب موجهة ونخب فاقدة للرؤية والرهان.



البديل هو الكثير من التسامح مع بعض تجليات الديمقراطية المتمثلة في بعض الاختلاف وبعض النقد وبعض الاستقلالية.



كما يكمن البديل في التخلي عن الاستهداف العنيف الذي يعيدنا الى هيمنة سطوة الخوف على الفاعلين السياسيين.



ذلك أن الدولة التي تبني قوتها على الخوف لا يمكن أن تشكل بديلا لجيل متعطش للديمقراطية والكرامة والحرية والعدالة.



جيل يعيش بعقله وخياله ومشاعره خارج وطنه داخل هاتفه النقال، وفي اللحظة التي يضطر فيها الى العودة للواقع، يهرب من احباطه بالعنف أو الغش أو الفراغ.



لا يبدو إذن أن الإصرار على تأبين الأحزاب السياسية محكوم برؤية بديلة للدولة والمجتمع لأنها عمليا غير متوفرة.



فحتى الدول التي انهارت حينما حاولت معاودة بناء ذاتها لم تجد بدا عن المدخل الحزبي. غير أن السؤال: "أي حزب؟ وبأية نخب؟"، سيظل سؤالا في حاجة الى كثير من التعميق.